مرّ إقليم البحرين بمعارك ونزاعات كثيرة، سواءً سياسية أو عسكرية، تفوق حدّ الاحصاء ولكنّنا نقتصر على أهم تلك المعتركات ومنها:
حركة الردّة
بعد رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) امتنع أهل البحرين عن دفع الزكاة للخليفة أبي بكر وذلك لاعتقادهم بأحقيّة أميرالمؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأن من الواجب عليهم إعطاء الحقوق الشرعية لخليفة رسول الله الذي نص رسول الله على خلافته.
فاستغل أبو بكر مسألة امتناعهم عن دفع الزكاة واعتبرهم في عداد المرتدين عن الإسلام والحال أنهم كانوا يقرّون بالوحدانية والرسالة.
حركة الخوارج
اتفق المؤرخون على أن حركة الخوارج جاءت على أثر قضية التحكيم في صفين بين معاوية والإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فالخوارج هم من خرجوا على الإمام علي عند قبوله التحكيم، وقالوا:لا حكم إلا لله، وقد حاول أميرالمؤمنين (عليه السلام) إقناعهم بصحة عمله إلا أنهم لم يستجيبوا له فقاتلهم في معركة النهروان وقضى على أكثرهم.
ومع قيام الدولة الأموية في الشام ظهرت حركات معارضة ومنها معارضة عبدالله بن الزبير الذي استولى بعد هلاك يزيد على معظم جزيرة العرب والعراق، وفي نفس الوقت برزت حركة الخوارج جديد في البحرين بقيادة نجدة بن عامر الحنفي الذي سار من اليمامة إلى البحرين والتقت حوله قبائل من الأزد ولكنه لاقى مواجهة من بعض القبائل ومنها قبيلة عبدالقيس فجرت بينهما حروب هزمت فيها عبدالقيس ودخل نجدة القطيف ظافراً، وشكّل حكومة في البحرين إلى سنة (691) حيث اشتدت النقمة عليه بعد خلافه مع أصحابه، وانتهى الأمر بمقتله على يد أبو فديك عبدالله بن ثور، الذي حارب والي البصرة غير أن عبدالملك بن مروان حشد جيشا كبيرا وقتله هو والكثير من أصحابه وبمقتله انهارت دولة النجدات في اليمامة وبلاد البحرين وصارت الأخيرة تحت سيطرة الأمويين.
ولم يستمر حكم الأمويين على البحرين طويلا حتى ظهرت العديد من حركات المعارضة لهم ومنها:
1- حركة مسعود بن أبي زينب العبدي الذي ثار على والي البحرين الأشعث بن عبدالله بن الجارود العبدي واستولى على البحرين والسيطرة عليها ما يقارب عشرين عاما.
2- بعد مقتل مسعود ثار في هجر أخوه سعيد، ولكن عارضه عون بن بشير فافترق اتباعه فرقتين فرقة مع سعيد بقيت في هجر، والأخرى مع عون اتخذت القطيف مركزا لها، ثم تخلص سعيد من عون.
حركة الزنج
بقيادة علي بن عبدالله وهو من قبيلة قيس.
وكان قد ادعى أنه من العلويين أي أنه ينتسب إلى الإمام علي بن أبي طالب، ولكنه غيّر هذا النسب وإلى ذلك يشير ابن أبي الحديد قائلاً: إن صاحب الزنج غيّر نسبه تبعاً للظروف، فانتقل من أحمد بن زيد إلى أحمد بن محمد بن زيد، ثم إلى يحيى بن زيد بن علي، وإلى العباس بن علي بن أبي طالب مرة ثالثة ([1]) .
حركة القرامطة
بعد أن أنهكت حركة الزنج جيوش العباسيين تهيأة الظروف لظهور بعض الحركات والثورات في أقليم العباسيين ومنها حركة القرامطة في البحرين، وهذه الحركة لها ارتباط بحركة القرامطة التي حصلت في الكوفة بزعامة حمدان الأشعث، والداعية عبدان، حيث إنه أرسل في تلك الفترة داعية إلى هجر يدعو قبائلها إلى تلك الحركة وعلى رأس تلك القبائل وكان ذلك الداعية يحيى عبدعلي الطمامي، ثم ألحق به الحسن بن بهرام الجنابي المعروف بأبي سعيد وقد استطاع الأخير من تعطيل دعوة يحيى الطمامي ثم قتله.
وقد أصاب هذا الرجل في اختياره للبحرين كمنطلق لمعارضته فناصروه وكانت السلطة العباسية ضعيفة آنذاك.
ومن ثم شرع أبو سعيد بجلب الأعوان والقبائل فحصل على دعم قوي من عشيرة بني سنبر، ولم تمض فترة وجيزة حتى استطاع أبوسعيد من السيطرة على البحرين ولم تعص عليه سوى هجر فحاصرها عدة أشهر حتى استطاع من اقتحامها وتخريبها وذلك بعد حصار استمر أربعة سنين.
ثم داهم اليمامة وسيطر عليها، وكذلك استولى على عمان وجزرها، وهكذا استطاع أبوسعيد السيطرة على المنطقة الممتدة من البحرين إلى مكة المكرمة وأن يؤسس دولة القرامطة.
وكان أبوسعيد قد عهد بالأمر من بعده لابنه سعيد ولكنه كان ضعيفا لم يستطع السيطرة ضبط زمام الأمور فنهض بها أخو أبوسعيد الأصغر المعروف بأبي طاهر وكان حازما شجاعا.
وقد خاض أبو طاهر العديد من الحروب واستولى وغزا مكة المكرمة وقلع الحجر وسرق كساء الكعبة ونهب جميع ما فيها، وبقي الحجر الأسود في إقليم البحرين اثنى وعشرون سنة إلا شهراً.
بعد وفاة أبو طاهر آل آمر القرامطة إلى الخلاف والنزاع والخصومة الأمر الذي أضعف شوكتهم.
ظهور الإمارات العربية في البحرين
وبعد أن ضعف القرامطة نشأت في البحرين ثلاث إمارات في أزمنة متقاربة، وكان لكل من هذه الإمارات دورا في ضعضعة دولة القرامطة، أما الإمارة الأولى فهي لأبي بهلول من آل الزجاج وكانت إمارته على أوال.
والإمارة الثانية ليحيى بن بن عياش الجذمي وكانت إمارته على القطيف.
والإمارة الثالثة لعبدالله بن علي العيوني وكانت إمارته على الأحساء.
الدولة العيونية
مؤسس الدولة العيونية هو عبدالله بن علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد المري العبدي الربعي العيوني.
ويرجع نسبه إلى قبيلة عبدالقيس، وأما تسميتهم بالعيونيين فهو لموضع نشأتهم وهو مكان عُرف بالعيون لكثرة العيون المائية فيه وهو في شمال مدينة الأحساء.
وقد نشأت تلك الدولة على أثر ضعف دولة القرامطة في البحرين، وكانت القبائل في الأحساء تتمنى زوال دولة القرامطة فتعاهدت بعض بطون ربيعة بن نزار على التخلص من نفوذ القرامطة ونصبوا عبدالله بن علي العيوني زعيم آل إبراهيم في مواجهة القرامطة وقبائل اليمن والقضاء عليهم.
وبالفعل فقد انتهز عبدالله العيوني فرصة ضعف القرامطة وناوشهم وواجههم وانتصر عليهم وإخراجهم من الأحساء وإلزامهم بعدم الخروج من حصونهم.
وبالرغم من هذا الانتصار إلا أن عبدالله العيوني وجد من الصعب أن ينتصر على القرامطة بمن معه من الجيش ولذا استعان بالدولة العباسية، وكان العباسيون يتربصون تلك اللحظة ليشفوا غليلهم من القرامطة خاصة أن القرامطة معروفين بالتشيع ولذا هبّ العباسيون لنصرة عبدالله بن علي العيوني.
وبالفعل فقد أرسلوا إليهم جيشا دعم الجيش العيوني ودارت بينهم حروبا طاحنة ثم عمد القرامطة إلى طرح هدنة بشروط فقبلها السلاجقة ومن نقضوا عهودهم واستمر حصار العباسيين للقرامطة مدة ثم استعانوا بقبيلة عامر ربيعة وكان لديهم من الجنود الكثير الأمر الذي جعل العباسيين يخشون محاربتهم إلا أن عبدالله العيوني لجأ إلى حيلة وهي أن يبدأ بعامر ربيعة فهزمهم الأمر الذي سهل له القضاء على القرامطة فطلبوا منه الأمان على أنفسهم فأجابهم على ذلك بعد أن قتل معظمهم.
ولما قضى العيوني على حكم القرامطة في الأحساء أسّس قواعد الدولة العيونية.
ظهور بني ثعلب وبني عقيل
اعتمد القرامطة في حروبهم على بعض القبائل وأبرزها وأقواها قبيلة بني ثعلب وقبيلة بني عقيل وبني سليم.
وقد أسال ضعف القرامطة لعاب هذه القبائل وقادها إلى الطمع في الاستيلاء على الحكم في البحرين.
ولذا زحف الأصفر بن الحسن الثعلبي إلى الأحساء بعد أن دعمه ابن مكرم زعيم عمان فاستولى على الأحساء بعد أن قتل أكثر القرامطة واستولى على ملكهم.
ولم يستمر الأمر بين القبيلتين حتى نشبت بينهما حربا وانتصر بنو ثعلبة على بني عقيل وطردوهم إلى العراق واستفردوا بالحكم.
وبقي الأصفر يحكم البحرين إلى أن مات فخلفه بنوه وتنازعوا على الملك الأمر الذي أدى إلى ضياع الملك منهم.
ظهور الإمارات في البحرين
لما آل أمر القرامطة إلى الضعف ظهرت في البحرين ثلاث إمارات ساهم كل منها في القضاء على القرامطة والقضاء على سائر الإمارات، وهذه الإمارات هي:
1- إمارة أبي بهلول من آل الزجاج على جزيرة آوال.
2- إمارة يحيى بن عياش الجذمي على القطيف.
3- إمارة عبدالله بن علي العيوني على الأحساء.
4- إمارة أبي عياش في القطيف
من آثار ضعف القرامطة في البحرين ظهور وجوه جديدة في حكم بلاد البحرين ومنهم يحيى بن عيّاش الجذمي من بني محارب من عبدالقيس حيث إنه ثار على القرامطة في القطيف واستطاع أن يزيلهم عنها وأعلن نفسه عليها واستقل بها بعد أن كان والياً للقرامطة عليها.
وكتب أبو عياش إلى الخليفة العباسي القائم بأمر الله وإلى جلال الدولة ملك شاه السلجوقي ووزيره نظام الملك أبي علي الحسن بن إسحاق يطلب مساعدتهم له في حربه مع القرامطة قاصدا إزالة سلطتهم على الأحساء، فاستجابوا له وأرسلوا إليه جيشاً ولكن ابن عياش خشي على ملكه من ذلك الجيش وامتنع عن مقابلة قائده واستمال بعض العرب في الجيش وحارب قائد ذلك الجيش وآل الآمر إلى هزيمة الجيش السلجوقي.
وشيئا فشيئا اشتد ملك ابن عياش وقويت شوكته وصار يتوسع في السيطرة على البوادي المحيطة بالقطيف إلى أن مات.
فخلفه ابنه زكريا الذي سار على نهج أبيه وتطلّع إلى ضم كل ما كان تحت سيطرة القرامطة، ولذا فإنه جهز جيشاً كبيرا وحارب أبي بهلول وقتل فيها أبو بهلول وتشتت عسكره وضمّت جزيرة آوال إلى القطيف تحت سلطة زكريا بن عياش.
معركة الرحلين
وفي تلك الفترة تمكن ابن عياش من مداهمة القطيف وإزالة الوالي السلجوقي والسيطرة عليها ومن جانب آخر فقد ضيق الخناق على القرامطة الأمر الذي حداهم إلى الاستنجاد بقبيلة عامر بن ربيعة الذين أعدوا جيشاً ضخما لمقاتلته، ولكن دهاء الأمير عبدالله كانت فوق تصورهم حيث إنه حارب عامر فهزمهم ثم مال على القرامطة وهزمهم شر هزيمة وحينئذ أقر له القرامطة وأسس الأمير عبدالله العيوني أساس الدولة العيونية في الأحساء.
حروب الدولة العيونية
وقد شهدت الدولة العيونية عدة معتركات حامية، ومنها:
معركة محلم وسليسل
لما استولى الأمير عبدالله العيوني على السلطة وجدت قبيلة عامر ربيعة ذلك يمثل خطرا عظيما عليها وعلى مصالحها فأعدّت العدّة وحشدت بعض القبائل ومنها قبيلة الأزد وقيس عيلان بن عامر وبعض القرامطة الموجودين.
ولما علم الأمير عبدالله بذلك أعد لهم العدة وواجههم في منطقة بين نهر محلم ونهر سليسل وبحنكته استطاع السيطرة عليهم.
معركة باب الأسفار
لما علم الأمير عبدالله العيوني بخيانة القرامطة وقبائل اليمن واستدعائهم قبيلة عامر وسائر القبائل بادر بالقضاء عليهم لكي لا يقوى نفوذهم من جديد، ولذا تحرك لتصفية ماتبقي من القرامطة وخاض معهم معركة ما بين قصر الخندق وباب الأسفار شمال الأحساء، ولذلك سميت تلك المعركة بمعركة باب الأسفار أو الخندق الثانية، وقد تمكن من غلبة القرامطة وقبائل اليمن.
تمرّد جنود السلاجقة
ذكروا في المصادر أن السبب في هذا التمرّد هو طمع قائد السلاجقة في الأحساء ومشاركة الأمير عبدالله الملك إلا أن الأخير فطن لذلك ومنعهم من دخول قصر الإمارة.
ويقال إن الأمير عبدالله عصن نساء القرامطة مما أثار حفيظة جنود السلوجوقيين ناهيك أن المكاسب التي أعطاها الأمير عبدالله للباقوشي قائد السلاجقة لم تكن كافية بنظرهم الأمر الذي جعلهم يخالفوه.
حملة ركن الدولة والدين خمارتكين على الأحساء
لما علم السلاجقة بمقتل الباقوش انزعجوا كثيرا وأعدوا عسكرهم لتأديب الأمير عبدالله العيوني، حيث شعروا أنّ دولة فتية تعتقد بالتشيع تهدد سياستها في إقليم البحرين وخشوا أن يمتد ذلك المد الشيعي أكثر واعتبروا دعوة الأمير عبدالله للفاطميين الشيعة وإقامة خطبهم على منابر الأحساء يشكل نقضا للعهود التي أعطاها إياهم فضلا عن طمعهم في الاستيلاء على الأحساء.
مجمل هذه الأسباب وغيرها جعلت عساكر السلجوقيين تتحرك بقيادة ركن الدولة والدين خمارتكين الطغرائي القائد السلجوقي متجهة نحو الأحساء عازمين على القضاء على الدولة العيونية.
وحينها أدرك الأمير أبو مقرب الحسن بن عزيز بن ضبار بن عبدالله العيوني أمير منطقة الرحل العيوني خطورة الأمر فعمد إلى تعطيل الجيش إلا أنه لم يفلح، وفرض قائد الجيش الحصار على الأحساء مدة عام كامل.
وبعد مرور ذلك العام أعرض ركن الدين عن الاستيلاء على الأحساء وفاوض الأمير عبدالله وفرض شروطاً للانسحاب شريطة أن يسلمه الأمير عبدالله العيوني قاتل الباقوش إلا الأخير رفض ذلك وأصر على دفع الدية.
الحرب مع أمراء القطيف
بعد موت أمير أمير القطيف يحيى بن عياش تولى ابنه الحسن بن يحيى الحكم وخشي من سلطة العيونيين التي أخذت تتوسع يوماً بعد الآخر لذا عمد إلى الاستيلاء على الأحساء وضمّها تحت سلطته لتصبح سلطة إقليم البحرين كلها تحت إمرته.
ومن فقد قرر أن يقضي على الأمير عبدالله العيوني وملكه وذلك من خلال:
1- شن الغارات المتوالية على ضواحي الأحساء والمناطق المحدقة بها، إلا أن هذه الغارات لم تنتج شيئا حيث إنه جوبه بحملة شعواء من الأمير عبدالله وجماعته.
2-أدرك الحسن بن عيّاش أن سرّ قدرة الأمير عبدالله تكمن في أهل بيته وعشيرته (آل إبراهيم) لذا حاول استمالتهم وعرض عليهم المال والهدايا ونفيس الجواهر والنخيل والثمار ومناهم أن يشركهم في إمرة القطيف إلا أنهم لم يجيبوه ورفضوه عروضه كلها.
ولما فشل الحسن بن عياش اضطر للصلح مع العيونيين مقابل أن يدفع للعيونين كثيرا من الأموال والذهب والنخيل، وأن يكون الأمير عبدالله شريكاً للحسن في حكم القطيف.
([1]) شرح نهج البلاغة:2/489.
تم ارسال رسالتك بنجاح