رجال البحرين في كربلاء
من مفاخر بلاد البحرين أنها خرّجت رجالاً خلّدوا أسمائهم وذكراهم في عداد العظماء الذين ناصروا ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبذلوا مهجمهم من أجله.
نعم، فقد شارك كوكبة من رجال البحرين في واقعة كربلاء المقدّسة واستشهدوا مع ريحانة رسول الله أبي عبدالله الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء، ومن هؤلاء المفاخر هو:
قبيلة عبدالقيس
بنو عبد القيس من قبائل ربيعة بن نزار الكبيرة، وتعود في نسبها إلى عبد القيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.
والنسبة إلى هذه القبيلة العبدي، أو العبقسي، فيقال مثلاً: صعصعة بن صوحان العبدي.
وكان الموطن الأصلي لهذه القبيلة بتهامة، ثمّ خرجوا منها إلى البحرين (الإحساء حالياً) فاستوطنوها، ولا زال الكثير من أبناء الإحساء والقطيف في السعودية ينتسبون لهذه القبيلة.
ومع بدء الفتوحات الإسلاميّة وإنشاء البصرة والكوفة هاجرت الكثير من القبائل العربيّة إلى هاتين المدينتين، وكانت عبد القيس من جملة مَن هاجر بعضهم إليها.
وقد عُرفت هذه القبيلة بالولاء المطلق لآل البيت (عليهم السّلام)، وبذلت الغالي والنفيس في سبيل إعادة حق آل البيت (عليهم السّلام) في الخلافة إليهم.
وجاهدوا بين يدي أمير المؤمنين (عليه السّلام) في معركة الجمل وصفّين، بل قامت معركة الجمل الأصغر على رؤوسهم، وقد استشهد منهم في هذه المعركة وحدها أكثر من سبعمائة رجل.
كما تعرّضوا لأشد أنواع الأذى والاضطهاد من قبل حكّام الجور بسبب تمسكهم بولاية آل البيت (عليهم السّلام).
وقد استشهد من العبديِّين مع الحسين (عليه السّلام) يوم عاشوراء ستة رجال، وهم:
يزيد بن ثبيط العبدي
عدّه شيخ الطائفة الطوسي (رحمه الله) من أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) ([1]) .
وفي تاريخ الطبري فتحدّث عن كيفية خروجه، فقال: حدّثني أبو مخنف، عن أبي مخارق الراسبي، قال: اجتمع ناس من الشيعة بالبصرة، في منزل امرأة من عبد القيس يُقال لها مارية ابنة سعد، أو منقذ، وكانت تتشيّع، وكان دارها مألفاً للشيعة يجتمعون فيه ويتحدّثون، وقد بلغ ابن زياد إقبال الحسين ومكاتبة أهل العراق له، فكتب إلى عامله بالبصرة أن يضع المناظرة ويأخذ بالطريق، فأجمع يزيد بن ثبيط إلى الحسين، وكان له عشرة بنين فدعاهم إلى الخروج معه، وقال: أيّكم يخرج معي متقدّماً فانتدب معه اثنان ؛ عبد الله وعبيد الله، فقال لأصحابه في بيت المرأة: إنّي قد أزمعت على الخروج، وأنا خارج فمَنْ يخرج معي ؟ فقالوا له: إنّا نخاف عليك أصحاب ابن زياد. فقال: إنّي والله، إن لو قد استوت أخفافها بالجُدد لهان عليّ طلب مَنْ طلبني، ثمّ خرج هو وابناه، وصحبه عامر بن مسلم العبدي، ومولاه سالم مولى عامر بن مسلم العبدي، وسيف بن مالك العبدي، والأدهم بن أميّة العبدي.
وقوى في الطريق حتى انتهى إلى الحسين، فدخل بالأبطح في مكّة فاستراح في رحله، ثمّ خرج إلى الحسين (عليه السلام)، وبلغ الحسين مجيئه فجعل يطلبه حتى جاء إلى رحله، فجلس الحسين في رحله ينتظره، وأقبل يزيد لمَّا لم يجد الحسين في منزله، وسمع إنّه ذهب إليه راجعاً على أثره، فلمّا رأى الحسين في رحله، قال: بفضل الله وبرحمته فليفرحوا، السلام عليك يابن رسول الله، ثمّ سلم عليه وجلس إليه، وأخبره بالذي جاء له، فدعى له الحسين بخير، ثمّ ضمّ رحله إلى رحل الحسين (عليه السلام)، وما زال معه حتى قُتل بين يديه في الطفّ مبارزة، وقُتل ابناه عبد الله وعبيد الله في الحملة الأولى مع مَنْ قُتل (رضوان الله عليهم) ([2]) .
وفي زيارة الناحية:السلام على يزيد بن ثبيط القيسي ([3]) .
وقد رثاه السيّد الحميري، فقال:
يـا فروة قومي فاندبي خيرَ البريةِ في القبورِ
وابـكي الـشهيدَ بـعبرةٍ من فيضِ دمعٍ ذي درورِ
قـتلوا الإمـامَ من الأئمّةِ فـي الـحرّمِ من الشهورِ
وابـكي يـزيداً مـجدلاً وابـنيه فـي حرِ هجيرِ
مـزمـلـين دمـائـهم تجري على لببِ الصخورِ
يـا لهف نـفسي لـم تفز مـعهم بـجناتٍ وحـورِ ([4]) .
ابنا يزيد بن ثبيط العبدي
روى الطبري: أنّ يزيد بن نبيط القيسي وابناه- عبد اللّه وعبيد اللّه- خرجوا من البصرة ولحقوا الحسين
- عليه السّلام- بالأبطح، فجاءوا معه- عليه السّلام- و قتلوا ([5]) .
وفي زيارة الناحية: السلام على عبد الله وعبيد الله ابني يزيد بن ثبيط القيسي ([6]) .
الأدهم بن أميّة العبدي البصري
وهو من عبد القيس، وأبوه اُميّة العبدي كان صحابياً سكن البصرة.
قال البحاثة الجليل الشيخ محمّد السماوي في (إبصار العين): بعد عنوانه: كان الأدهم من شيعة البصرية الذين يجتمعون عند مارية، وخرج إلى الحسين (عليه السلام) مع يزيد.
قال صاحب (الحدائق الورديّة): قُتل مع الحسين (عليه السلام)، ولم يذكر غير ذلك، وقال غيره: قُتل في الحملة الأولى مع من قتل من أصحاب (الحسين عليه السلام) ([7]) .
عامر بن مسلم العبدي
ذكره الشيخ النجاشي (رحمه الله) لدى ترجمة ولده أحمد، فقال: أحمد بن عامر بن سليمان بن صالح بن وهب بن عامر- وهو الذي قتل مع الحسين بن علي عليهما السلام بكربلاء- ابن حسان بن شريح بن سعد بن حارثة بن لام بن عمرو بن طريف بن عمرو بن ثمامة بن ذهل بن جدعان بن سعد بن فطرة بن طيء ([8]) .
وفي زيارة الناحية: السلام على عامر بن مسلم ([9]) .
سالم مولى عامر بن مسلم العبدي
كان من الثقاة التابعين مولى عامر بن مسلم ومن شيعة البصرة، كان ممّن خرج مع يزيد بن ثبيط العبدي مع مولاه عامر بن مسلم العبدي، وقُتل مع من قتل في الحملة الأولى.
وقد ورد في زيارة الناحية: السلام على سالم مولى عامر بن مسلم ([10]) .
سيف بن مالك العبدي البصري
كان سيف بن مالك العبدي من أصحاب الحسين بن علي (عليه السلام) قُتل معه في كربلاء، وكان ممّن خرج في رفقة يزيد بن ثبيط العبدي من مجلس مارية العبدية.
قال صاحب الحدائق: فلمّا كان يوم العاشر تقدّم بين يدي الحسين (عليه السلام) فقاتل حتى قُتل مبارزة بعد صلاة الظهر (رضوان الله عليه) ([11]) .
وقال ابن شهرآشوب: قُتل في الحملة الأولى مع مَنْ قُتل قبل الظهر ([12]) .
مارية بنت منقذ أو سعيد العبدية
وهي إحدى نساء عبد القيس المجاهدات، أخلصت الولاء لآل البيت النبوي (عليهم السّلام)، وكان بيتها مألفاً للشيعة في البصرة يجتمعون فيه، ويتذاكرون فضل آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)، ويفكّرون في كيفية إعادة حقهم المغصوب إليهم.
ولمّا أتت كتب الحسين (عليه السّلام) أهلَ البصرة يدعوهم فيها لنصرته، اجتمع عندها وجوه الناس، وكان من بينهم يزيد بن ثبيط ([13]) .
اُمّ شرف العبدية
روت عن نضرة الأزدية بعض الحوادث الكونية بعد مقتل الحسين (عليه السّلام)، قالت: لما قُتل الحسين (عليه السّلام) مطرت السماء دماً، فأصبح جرارنا وكلُّ شيء لنا ملأى دماً ([14]) .
([1]) رجال الطوسي:106.
([2]) تأريخ الطبري:4/263.
([3]) موسوعة شهادة المعصومين (عليهم السلام): 2/237.
([4]) أدب الطف:1/123.
([5]) تأريخ الطبري:5/354.
([6]) موسوعة شهادة المعصومين (عليهم السلام): 2/237.
([7]) إبصار العين:112.
([8]) رجال النجاشي:100.
([9]) المزار للمشهدي:494.
([10]) المزار للمشهدي:494.
([11]) الحدائق الوردية في مناقب الأئمة الزيدية:1/210.
([12]) مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام): 4/113.
([13]) أنظر أحوالها في:تراجم أعلام النساء:2/395، رياحين الشريعة:5/63، قاموس الرجال:12/343.
([14]) تأريخ دمشق:14/227.
تم ارسال رسالتك بنجاح