الكتاب: ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد بن خلدون (ت 808)
تحقيق خليل شحادة
حياة المؤلف: القرن التاسع
الطبعة: بيروت، دار الفكر، ط الثانية، 1408/1988.
تاريخ ابن خلدون، ج2، ص:504
ردّه الحطم وأهل البحرين
لما فرغ خالد من اليمامة ارتحل عنها إلى واد من أوديتها وكانت عبد القيس وبكر بن وائل وغيرهم من أحياء ربيعة قد ارتدّوا بعد الوفاة وكذا المنذر بن ساوى من بعدها بقليل، فأما عبد القيس فردّهم الجارود بن المعلى وكان قد وفد وأسلم ودعا قومه فأسلموا فلما بلغهم خبر الوفاة ارتدوا وقالوا لو كان نبيا ما مات فقال لهم الجارود تعلمون أن الله أنبياء من قبله ولم تروهم وتعلمون أنهم ماتوا ومحمد صلى الله عليه وسلم قد مات ثم تشهد فتشهدوا معه وثبتوا على إسلامهم، وخلوا بين سائر ربيعة وبين المنذر بن ساوى والمسلمين.
وقال ابن إسحاق كان أبو بكر بعث العلاء بن الحضرميّ إلى المنذر وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاه فلما كانت الوفاة وارتدت ربيعة ونصبوا المنذر بن النعمان بن المنذر وكان يسمّى المغرور، فأقاموه ملكا كما كان قومه بالحيرة، وثبت الجارود وعبد القيس على الإسلام، واستمرّ [1] بكر بن وائل على الردّة، وخرج الحطم بن ربيعة أخو بني قيس بن ثعلبة حتى نزل بين القطيف وهجر، وبعث إلى دارين فأقاموا.
ليجعل عبد القيس بينه وبينهم، وأرسل إلى المغرور بن سويد أخي النعمان بن المنذر وبعثه إلى جواثى [2] وقال اثبت فان ظفرت ملكتك بالبحرين حتى تكون كالنعمان بالحيرة، فحاصره المسلمون [3] بجواثى وجاء العلاء بن الحضرميّ لقتال أهل الردة بالبحرين ومر باليمامة فاستنفر ثمامة بن أثال في مسلمة بني حنيفة وكان مترددا، وألحق عكرمة بعمان ومهرة، وأمر شرحبيل بالمقام حيث هو يغاور مع عمرو بن العاص أهل الردّة من قضاعة، عمرو يغاور سعدا وبلق وشرحبيل يغاور كلبا ولفها. ثم مرّ ببلاد بني تميم فاستقبله بنو الرباب وبنو عمرو [4] ومالك بن نويرة بالبطاح يقاتلهم ووكيع بن مالك يواقف عمرو بن العاص وقيس بن عاصم من المقاعس، والبطون يواقف الزبرقان بن بدر والأبناء عوف وقد أطاعوه على الإسلام وحنظلة متوقفون. فلما رأى
__________________________________________________
[1] وفي النسخة الباريسية: واستفحل أمر بكر.
[2] وفي النسخة الباريسية: الى جولة.
[3] وفي النسخة الباريسية: فحاصر المسلمين.
[4] وفي نسخة ثانية، بنو عمر.
تاريخ ابن خلدون، ج2، ص:505
قيس بن عاصم تلقى الرباب وبني عمر [1] وقدم وجاء بالصدقات إلى العلاء وخرج معه لقتال البحرين، فسار مع العلاء من بني تميم مثل عسكره ونزل هجر وبعث إلى الجارود أن ينازل بعبد القيس الحطم وقومه مما يليه، واجتمع المشركون إلى الحطم إلا أهل دارين، والمسلمون إلى العلاء، وخندقوا واقتتلوا وسمعوا في بعض الليالي ضوضأة شديدة أي جلبة وصياحا وبعثوا من يأتيهم بخبرها فجاءهم بأنّ القوم سكارى، فبيتوهم ووضعوا السيوف فيهم واقتحموا الخندق وفر القوم هرابا فمتمرد وناج ومقتول ومأسور.
وقتل قيس بن عاصم الحطم بن ربيعة، ولحق جابر بن بحير وضربه فقطع عصبه ومات، وأسر عفيف بن المنذر والمغرور بن سويد وقال للعلاء: أجرني فقال له العلاء: أنت غررت بالناس، فقال: لكني أنا مغرور، ثم أرسل وأقام بهجر.
ويقال إن المغرور اسمه وليس هو بلقب وقتل المغرور بن سويد بن المنذر وقسم الأنفال بين الناس، وأعطى عفيف بن المنذر وقيس بن عاصم وثمامة بن أثال من أسلاب القوم وثيابهم، وقصد الفلال إلى دارين وركبوا السفين إليها ورجع الآخرون إلى قومهم.
وكتب العلاء إلى من أقام على إسلامه من بكر بن وائل بالقعود لأهل الردة في السبل وإلى خصفة التميمي والمثنى بن حارثة بمثل ذلك، فرجعوا إلى دارين وجمعهم الله بها. ثم لما جاءته كتب بكر بن وائل وعلم حسن إسلامهم أمر أن يؤتى من خلفه على أهل البحرين ثم لما ندب الناس إلى دارين وأن يستعرضوا البحر، فارتحلوا واقتحموا البحر على الظهر، وكلهم يدعو: يا ارحم الراحمين يا كريم يا حليم يا أحد يا صمد يا حي يا محيي الموتى يا حيّ يا قيوم لا إليه إلّا أنت يا ربنا. ثم أجازوا الخليج يمشون على مثل رمل مشيا فوقها ما يغمر أخفاف الإبل في مسيرة يوم وليلة، فلقوا العدوّ واقتتلوا، وما تركوا بدارين مخبرا وسبوا الذراري واستاقوا الأموال، وبلغ نفل الفارس ستة آلاف والراجل ألفين.
ورجع العلاء إلى البحرين وضرب الإسلام بجرانه. ثم أرجف المرجفون بأن أبا شيبان وثعلبة والحرقد جمعهم مفروق الشيبانيّ على الردة، فوثق العلاء باللهازم وتقاربهم [2]
__________________________________________________
[1] وفي نسخة أخرى: يلقي الرباب وعمرو العلاء.
[2] وفي نسخة أخرى: بان اللهازم تفارقهم.
تاريخ ابن خلدون، ج2، ص:506
وكانوا مجمعين على نصره، وأقبل العلاء بالناس فرجعوا إلى من أحب المقام، وقفل ثمامة بن أثال فيهم. ومرّوا بقيس بن ثعلبة بن بكر بن وائل فرأوا خميصة الخطم عليه فقالوا هو قتله! فقال: لم أقتله ولكن الأمير نفلنيها فلم يقبلوا وقتلوه. وكتب العلاء إلى أبي بكر بهزيمة أهل الخندق وقتل الخطم قتله زيد وسميفع [1] فكتب إليه أبو بكر إن بلغك عن بني ثعلبة ما خاض فيه المرجفون فابعث إليهم جندا وأوصهم وشرّد بهم من خلفهم.
تم ارسال رسالتك بنجاح