الكتاب: المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
المؤلف: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي (ت 597)
تحقيق محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا
حياة المؤلف: القرن السادس
الطبعة: بيروت، دار الكتب العلمية، ط الأولى، 1412/1992.
المنتظم، ج4، ص:83
__________________________________________________
قصة أهل البحرين
كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قد بعث على أهل البحرين المنذر بن ساوي، واشتكى هو ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في شهر واحد، ومات المنذر بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بقليل [1].
وارتد أهل البحرين، فأما عبد القيس ففاءت، وأما بكر فتمت على ردتها، وكان الّذي ثنى عبد القيس الجارود بن عمرو [2] حتى فاءوا.
وذلك أنهم قالوا: لو كان محمد نبيا ما مات، فقال الجارود [3]: تعلمون أنه كان
__________________________________________________
[1] تاريخ الطبري 3/ 301، والأغاني 15/ 255.
[2] في الأغاني: وكان الّذي ثنى عبد القيس الجارود بن علي.
[3] تاريخ الطبري 3/ 302.
المنتظم، ج4، ص:84
__________________________________________________
قبله أنبياء؟ قالوا: نعم، قال: فما فعلوا؟ قالوا: ماتوا، قال: فإن محمدا قد مات كما ماتوا، فعادوا إلى الإسلام.
فلما فرغ خالد من اليمامة بعث أبو بكر العلاء بن الحضرميّ إلى البحرين في ستة عشر فارسا، فقال ابن عبد القيس: إن لم يرتدوا فهم جندك فسار مع العلاء حتى بلغه عبد القيس، فكتب الجارود إلى العلاء: إن بيني وبينك أسود النهار وضباع الليل، ففهم فبعث العلاء جنوده تحت الليل فقتلوهم وسار وأمده ثمامة بقومه، فنزل العلاء بأصحابه ليلة فنفرت الإبل فما بقي عندهم لا زاد ولا مزاد، وأوصى بعضهم إلى بعض فصلى بهم العلاء الفجر وجثى فدعا فلاح لهم ماء، فذهبوا إليه فشربوا، فإذا الإبل [تكرد من كل وجه] [1]، فقام كل رجل منهم إلى ظهره، فما فقدوا سلكا [2]، وخندق المسلمون وتراجعوا وتراوحوا القتال شهرا، ثم كر المرتدون، فتحصن المسلمون، منهم بحصن بالبحرين يقال له: جواثا حتى كادوا يهلكون جوعا، فنزل بعض المسلمين/ ليلا، فجال في عسكر القوم ثم عاد فقال: إن القوم سكارى، فخرج إليهم العلاء وأصحابه، فوضعوا فيهم السيوف، وأخذوا غنائمهم.
ولما فرغ العلاء من البحرين سار إلى هجر فافتتحها صلحا وكان فيها راهب، فقيل له: ما دعاك إلى الإسلام فقال: ثلاثة أشياء خشيت أن يمسخني [الله] [3] بعدها إن لم أسلم: فيض في الرمال، وتمهيد أثباج البحار، ودعاء سمعته في عسكرهم في الهواء من السحر، قالوا: اللَّهمّ أنت الرحمن الرحيم، لا إله غيرك، والبديع ليس قبلك شيء، والدائم غير الغافل، [و الحي] [4] الّذي لا يموت، وخالق ما يرى وما لا يرى، وكل يوم أنت في شأن، علمت اللَّهمّ كل شيء بغير تعلّم، فعلمت أن القوم لم يعانوا بالملائكة إلا وهم على أمر الله [5].
فكان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسمعون من ذلك الهجريّ بعد.
__________________________________________________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري، والكرد: الطرد.
[2] السلك، جمع سلكة، وهو الخيط الّذي يخاط به الثوب.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من أ.
[5] الخبر مختصر من الطبري 3/ 312، والأغاني 15/ 257.
المنتظم،ج4،ص:85
__________________________________________________
ثم سار العلاء إلى الحطم، ووجه بعض أصحابه فافتتحوها عنوة، وندب الناس إلى دارين، فأتى ساحل البحر، فدعا الله واقتحموا، فأجازوه كأنهم يمشون على مثل رملة [ميثاء] [1] فوقها ماء يغمر أخفاف الإبل، وكان بين الساحل ودارين مسيرة يوم وليلة لسفن البحر، فالتقوا واقتتلوا وسبوا الذراري واستاقوا الأموال، فبلغ نفل الفارس ستة آلاف، والراجل ألفين، ثم رجعوا عودهم على بدئهم كما عبروا. وفي ذلك يقول عفيف بن المنذر [2]:
أ لم تر أنّ الله ذلّل بحرة وأنزل بالكفّار إحدى الجلائل
دعونا الّذي شقّ البحار فجاءنا بأعجب من فلق البحار [3] الأوائل
ولما قفل العلاء بالناس مروا على ماء لبني قيس بن ثعلبة فرأوا على ثمامة بن أثال خميصة الحطم، فقالوا: هذه خميصة الحطم وأنت قتلته، قال: لست قاتله لكن اشتريتها من الفيء
تم ارسال رسالتك بنجاح