ظهر الكلدانيون لأول مرة في التاريخ في وصف حملة «آشور ناصربال» الثاني ضد «مالت كالدو» في الدولة البابلية والتي قام بشنها في العام 878 ق. م. ولا يوجد أثر مؤكد لتعقب الكلدانيين قبل استيطانهم جنوب الدولة البابلية في أوائل القرن التاسع قبل الميلاد، ولا يعرف حتى الأنساب العرقية واللغوية التي ينتمون إليها، ويوجد دليل ضعيف يرجح وجود صلة بينهم وبين العربية وربما كانوا أقرب للآراميين (بوتس 1983). وقد تم ربط الكلدانيين بشرق الجزيرة العربية وذلك من خلال رواية سترابو الذي يذكر فيها استيطان الجرهاء من قبل الكلدانيين الفارين من بابل حوالي العام 694 ق. م. ويعتقد بعض الباحثين أن وجود الكلدان في شرق الجزيرة العربية استمر حتى حقبة ما بعد الميلاد، حيث يذكر دانيال بوتس في بحثه المترجم المعنون «ثاج في ضوء الأبحاث الحديثة» عدداً من الآراء لعدد من الباحثين الذين يربطون الكلدان بشرق الجزيرة العربية. أما البينة التي استدل بها أولئك الباحثون فتختلف من باحث لآخر فمنهم من يربط بين الكلدان والنقوش الحسائية ومنهم من يرى وجود نقوش كتبت باللغة الكلدانية وهي نقوش قريبة الشبه بنقوش اللهجات العربية الشمالية، ويرى آخرون أن العثور على نقوش باللغة الآرامية يدل على وجود الكلدانيين الذين يتحدثون الآرامية، غير أن بوتس لم يرجح أياً من تلك الآراء (بوتس 1983).
وفي ظل غياب دليل واضح لوجود هجرات جديدة لشرق الجزيرة العربية يمكننا أن نرجح أن القبائل التي تحدثت باللهجة الحسائية استمرت بالوجود في شرق الجزيرة العربية وتطورت لهجتها واستخدمت بالإضافة لها اللغة الآرامية.
واستمرت في ذلك حتى مجيء قبائل عربية جديدة والتي بدأت بقبائل عدنانية وذلك في نهاية القرن الأول الميلادي أو بداية القرن الثاني الميلادي. عقب ذلك وصول قبيلة واحدة قحطانية على الأقل وهي قبيلة الأزد وبعدها استمر وصول قبائل عدنانية جديدة. وتنسب جميع القبائل العدنانية التي سكنت شرق الجزيرة العربية بعد الميلاد لمعد بن عدنان وهي تعرف بالقبائل المعدية. وقد تحدثت هذه القبائل بلغة عربية قريبة جداً للفصحى إلا أنها متأثرة قليلاً بالنبطية وهي لهجة كتبت بحروف نبطية وسنتناول ذلك بالتفصيل في الفصل القادم.
القبائل "المعدية" التي سكنت البحرين القديمة
جميع القبائل العدنانية التي عرفت أسماؤها عند الأخباريين ينتهي نسبها إلى معد الذي ينسب لعدنان وقد مر الحديث عن اسم عدنان ومدى غموضه في فصل سابق، ويرجح أن غالبية القبائل العربية هجرت تهامة ولم يبقَ بها إلا القبائل المعدية بالإضافة لقبيلة «عك» والذي يرجح أنه ابن آخر لعدنان (علي 1993, ج1, ص 390).
وقد نسب لمعد بن عدنان عدداً من الأولاد، جعلهم بعض الأخباريين أربعة هم: نزار بن معد، وقضاعة بن معد، وقنص بن معد، وإياد بن معد. وجعلهم بعض آخر أكثر من ذلك، إذ أضافوا إلى المذكورين عبيد الرماح ابن معد، وقد دخل أبناؤه في «بني مالك بن كنانة»، والضحّاك بن معد، قالوا: أغار على بني إسرائيل، وقناصة بن معد، وسناماً، وحيدان، وحيدة، حيادة، وجنيداً، وجنادة، والقحم، والعرف، وعوفاً، وشكاً، وأمثال ذلك (علي 1993, ج1, ص 392) والمرجح أن إياد هو ابن نزار وليس ابن معد (علي 1993, ج1, هامش ص 392 وص 395). ونزار هذا هو جد القبائل «النزارية» المنحدرة من نزار بن معد من زوجته «معانة بنت جوشم بن جلهمة» ، أو «معانة بنت جهلة» من جرهم، وهو على زعم الأخباريين والد أربعة أولاد هم: ربيعة ومضر وأنمار وإياد. وهم أجداد قبائل كثيرة في الوقت نفسه (علي 1993, ج1, ص 394).
وقد تناحرت القبائل المعدية فيما بينها فهاجر العديد منها ونزل عدد منها في شرق الجزيرة العربية، وبحسب الأخبار التي تذكر هجرات تلك القبائل يرجح أن أول من سكن شرق الجزيرة العربية منهم هي قضاعة ثم تبعتها إياد ثم تنوخ وهي قبيلة واحدة أو عدة قبائل متحدة، ثم جاءت قبيلة عبدالقيس وبكر بن وائل وتغلب بن وائل وتميم. بالإضافة لهذه القبائل العدنانية هناك قبيلة واحدة قحطانية على الأقل سكنت شرق الجزيرة العربية وهي قبيلة الأزد وقد ويرجح أنها نزلت هناك قبل قبيلة إياد.
وهو قضاعة بن معد بن عدنان، إلا أن بعض أهل الأخبار يضيفها إلى القحطانين، على حين نرى فريقاً آخر من النسابين ومن ورائهم القضاعيون يعدّون أنفسهم من أقدم أبناء معد، فيقولون: قضاعة بن معد، وبه كان يكنى معد، أي أنهم أقدم أبناء معد.
ويروون في ذلك شعراً من أشعار قضاعة في الجاهلية وبعد الجاهلية. وفي كل ذلك أثر التعصب القبلي الذي كان يتحكم في النفوس، ويظهر في النسب. ويذكر النسابون الذين يرجعون نسب قضاعة إلى حمير إنها من نسل قضاعة بن مالك بن حمير بن سبأ (علي 1993, ج 1, ص 392). ونلخص هنا قصة هجرة قضاعة عن البكري في كتابه «معجم ما استعجم»: «فاجتمعت نزار بن معد على قضاعة، وأعانتهم كندة، واجتمعت قضاعة وأعانتهم عك والأشعريون، فاقتتل الفريقان، فقهرت قضاعة وأجلوا عن منازلهم... فسارت تيم اللات بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وفرقة من بني رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة، وفرقة من الأشعريين نحو البحرين، حتى وردوا هجر، وبها يومئذ قوم من النبط، فأجلوهم (البكري, عالم الكتب ط3, 1983: ج1, ص 20 - 21).
وهي من القبائل القحطانية أما قصة هجرتها للبحرين فنلخصها عن دراسة حسين نصار عن قبيلة الأزد: «وكان الموطن الأصلي لبني الأزد مَأرِب... وتمر أعوام، فتضيق منطقة مأرب ببني الأزد، بعد أن كثروا، وساءت أحوال اليمن الاقتصادية لإهمال الزراعة ومشروعات الريّ، فيضطر أكثرهم إلى النزوح عن موطنه والتشرد في الأنحاء المختلفة من شبه الجزيرة العربية... ويبدو أنهم اقتنعوا أنهم لن يستطيعوا أن ينزلوا مجتمعين في مكان ما. فانقسموا إلى مجموعتين، سلكت كل منهما طريقاً مستقلاً في هجرتها... وكان احد الطريقين غربياً، انتهى بالمهاجرين إلى الشام، والآخر شرقياً انتهى إلى الحيرة والأنبار... وهكذا نجد في الطريق الغربي بني الحارث بن كعب ينزلون نجران. وبني غامد وبارق ودوس وغيرهم من بني نصر بن الأزد يتخلفون في السراة وخزاعة في بطن مَرّ على مقربة من مكة، والأوس والخزرج في يثرب (المدينة المنورة). وينتهي الطريق بغسان في الشام. ونجد في الطريق الشرقي بني جُديد يتخلفون في رَيسوت على ساحل الشحر بين عمان وعدن، ويحمد وحدان ومالك والحارث وعتيك ورئام في عمان، وجماعة في هجر في البحرين وينتهي الطريق بدوس في الحيرة والأنبار (نصار 1971).
المرجح أنها تنسب لإياد بن نزار بن معد إلا أن الأمر قد اختلط على بعض أهل النسب في قضية «إياد»، فجعلوا إياداً ابناً من أبناء معد. وقد ذكر المسعودي أن إياداً ينسبون إلى القبيل الأكبر، وليست لهم قبائل مشهورة. ويذكر قوم أن ثقيفاً من إياد، ويرى فريق أنهم من قيس عيلان (علي 1993, ج1 ص 397).
وقد كانت مواطنها تهامة إلى حدود نجران، ثم انتشرت بسبب حروب وقعت بينها وبين ربيعة ومضر، فارتحل قسم منها إلى العراق، وانضم قسم آخر إلى قضاعة وأقام بالبحرين، وسكن قسم منها في «وادي بيشة»، وهاجر آخرون إلى بلاد الشام (علي 1993, ج1 ص 396) وقيل إنها سكنت البحرين وذلك أثناء تواجد قضاعة والأزد فيها، فحلت إلى جوارهم، وقيل إنها اختارت جزيرة أوال للإقامة بها (أبو المكارم 1996). وقد دانت قبيلة إياد لغسان، وتنصروا، ولحق أكثرهم بلاد الروم، فيمن دخلها مع جبلة بن الأيهم، من غسان وقضاعة وغيرهم، وبقايا من بقاياهم متفرقون في أجناد الشام ومدائنها، وكان من دخل مع جبلة بن الأيهم من إياد وقضاعة وغسان ولخم وجذام نحو أربعين الفا، وهم معهم إلى اليوم، (البكري, عالم الكتب ط3, 1983: ج1, ص 75).
العدد 2960 - الأربعاء 13 أكتوبر 2010م الموافق 05 ذي القعدة 1431هـ.
عبد القيس هي القبيلة التي ينحدر عنها أهل البحرين والقطيف والأحساء، حيث إن البحرين قديماً كانت تتمثل في قبيلتين (25):
1– قبيلة بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، من أشهر قبائل ربيعة، وقد اعتنق قسم منها النصرانية، وكانت ديار بكر بن وائل في اليمامة غرباً إلى البحرين شرقاً، ومن البحرين وأسياف البحر جنوباً إلى الأبلَّة في البصرة، ثم امتدَّت إلى هيت شمالاً، ثم توغلت داخل العراق في أعالي دجلة شمالاً إلى ما يعرف اليوم بديار بكر في تركيا.
2– قبيلة عبد القيس بن أفصي بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، وهي قبيلة عظيمة من العدنانية، كانت مواطنهم بتهامة، ثم خرجوا إلى البحرين.
أما قبيلة تميم فهي تنتسب إلى تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وقد استقرت في البحرين في زمن الجاهلية، ثم تفرقت في الحواضر ولم تبق منها باقية.
وقد اقترنت البحرين بقبيلة عبد القيس أكثر من اقترانها بالقبائل الأخرى التي سكنت البحرين، نظرا لكثرة عدد قبيلة عبد القيس وانتشارها في أنحاء مختلفة من البحرين وتأثيرها الواضح في واقع البحرين في تلك الحقبة.
هذا العنوان مقتبس من شعرٍ للإمام علي[1] – عليه السلام – قاله في قبائل ربيعة عندما رأى استبسالهم في نصرته وقتال أعداءه، ورأى كثرة من استشهد منهم معه في حروب الجمل وصفّين، وقد كان إقليم البحرين القديم – الممتد على الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية من العراق شمالاً، وحتى حدود عمان القديمة جنوباً – كان موطناً لقبائل ربيعة منذ أنْ رحلت إليه قبيلة عبد القيس وبطون من بكر بن وائل وأختها تغلب ابنة وائل، فقد ذكر البكري[2] الذي ينقل عن هشام بن محمد الكلبي أنّ قبيلة عبد القيس عندما رحلت من تهامة إلى البحرين استطاعت أنْ تزيح قبيلة إياد التي كانت تسيطر على البحرين، وأجبرتها على الرحيل نحو العراق، واقتسمت بطونها كامل هذا الإقليم ومراعيه الخصبة وأقطاره العامرة، ولاسيما واحتي الأحساء والقطيف وما يتبعهما من مدن وقرى وواحات وبراري، وصار هذا الإقليم كله يُعرف منذ ذلك الحين بديار عبد القيس حتى القرن السابع الهجري حيث استطاعت أحلاف قبائل وبطون من عُقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة من إنهاء سيطرة عبد القيس على البحرين بعد إسقاطهم لدولة العُيونيين آخر دولة عبدية حكمت كامل المنطقة.[3]
تم ارسال رسالتك بنجاح