شيعة السعودية.. بين ظلم الماضي وإجحاف الحاضر
التشيع كمذهب ليس جديداً فيما يعرف اليوم بالمنطقة الشرقية في المملكة «الاحساء والقطيف»، باتفاق جميع من ارّخ لها من الماضين والمعاصرين، ولكنهم اختلفوا في تحديد المدّة التي دخلها التشيّع، هل في عهد الرسول أم في عهد الإمام علي بن أبي طالب، حيث يرى الشيعة ان التشيّع كان معروفا في عهد الرسول الأكرم وأن العديد من الصحابة عرفوا بموالاتهم للإمام علي. تاريخ التشيّع في المنطقةويُعتقد أن أوّل من بذر بذور التشيّع فيما عرف قديما بمنطقة البحرين، والتي تشمل «أوال والخط وهجر، والمعروفة اليوم بإسم البحرين والقطيف والأحساء على التوالي».. هو الصحابي الجليل أبان بن سعيد بن العاص الأموي، الذي ولاه رسول الله البحرين مسئولا عن بيت المال، وكان أبان من الموالين للإمام علي، فغرس بذور التشيّع في المنطقة، وبعد وفاة الرسول لم يبايع أبان أبا بكر بالخلافة حتى بايع الإمام علي نفسه، وتشير بعض الروايات التاريخية إلى ان سبب عزل أبان عن منصبه بعد وفاة الرسول مباشرة يعود، إلى موقفه هذا.بيد أن المؤرخين الآخرين يقولون بأن التشيّع لم يكن معروفاً حتى خلافة علي ابن ابي طالب، وان منطقة البحرين «القديمة» اعتنقت التشيع في عهده، وانها شاركت الامام في حروبه كلها «الجمل وصفين والنهروان».وأياً كان الامر، فان التشيع ليس جديدا على هذه المنطقة، وانما عمره يزيد على اربعة عشر قرنا، ويثبت المؤرخون لهذه المنطقة ان رجالها من الصحابة والتابعين والشعراء كانوا من الشيعة، وهم اكثر من ان يذكروا.منهم على سبيل المثال: الصحابي الجليل حُكيم بن جبلة العبدي، وقد تولّى امارة السند في عهد الخليفة عثمان بن عفان، وكان مشهورا بالشجاعة والولاء، واستشهد في معركة الجمل «الاصغر» هو وابنه، واتباعهما بعد ان رفضوا نزع البيعة من الامام، وقد ذكره الامام علي في تبرير قتاله للخارجين عليه بقوله: ««.. قتلوا شيعتي، وقتلوا أخا ربيعة العبدي، رحمة الله عليه في عصابة من المسلمين، قالوا لا ننكث كما نكثتم، ولا نغدر كما غدرتم، فوثبوا عليهم فقتلوهم ـ إلى أن قال ـ فقاتلوني وفي أعناقهم بيعتي، ودماء قريب من ألف رجل من شيعتي، فقتلتهم بهم.ومن رجال الشيعة الذين نبغوا من هذه المنطقة، زيد بن صوحان العبدي، وقد قُتل يوم الجمل، وكان أحد سادات الشيعة في المنطقة، وسبق أن قال فيه رسول الله «زيد ما زيد؟! تسبقه يده إلى الجنّة ثم يتبعها جسده».. فكان كما قال .. وقد وقف الإمام علي عليه عند مقتله وفيه رمق، فقال: رحمك الله يا زيد، فلقد كنت خفيف المؤونة، كثير المعونة. فرفع زيد رأسه وقال: وأنت رحمك الله يا أمير المؤمنين، ما علمتك إلا بالله عليما، وفي أم الكتاب عليّاً حكيماً، وأن الله في صدرك لعظيم، والله ما قاتلت معك على جهالة، ولكني سمعت أم سلمة زوجة رسول الله تقول: سمعت رسول الله يقول: «من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله»، فكرهت أن أخذلك فيخذلني الله تعالى.ومن الصحابة، صعصعة بن صوحان العبدي، أسلم على عهد رسول الله، وكان من سادات عبد القيس وخطبائهم المفوهين، قاتل مع الامام علي في معاركه، واستشهد اخواه سيحان وزيد في الجمل، توفي في عهد معاوية وقيل ان الاخير قتله غيلة.ومنهم التابعي صحار بن العياش العبدي، شهد مع الامام علي جملة مواقعه.. وكذلك حويرثة بن سميّ العبدي، وقدامة بن مسروق العبدي الذي استشهد مع الامام علي في صفين.. ومنهم الصحابي الجليل عمرو بن المرجوم العبدي، كان ابوه احد رؤساء عبد القيس في الجاهلية، قاتل مع الامام في الجمل وصفين، وكان من أوائل المجيبين لدعوة الامام لقتال معاوية، كانت له وقفة مشهودة قال فيها مخاطبا الإمام علي «وفق الله أمير المؤمنين، وجمع له أمر المسلمين، ولعن المحلّين القاسطين، الذين لا يقرأون القرآن، نحن والله عليهم حنقون، ولهم في الله مفارقون، فمتى أردتنا صحبك خيلنا ورجلنا». ومنهم الحارث بن منصور العبدي الذي شهد صفين مع الامام علي، والحارث بن مرّة العبدي، الذي كان قائد الميسرة في صفين، وهو الذي غزا الهند سنة 39هـ بعد ان استأذن الإمام في ذلك.ويذكر المؤرخون أن قبائل الشيعة في البحرين «الاحساء والقطيف والبحرين الحالية»، وهي قبائل ربيعة «عبد القيس وبكر بن وائل»، كانت من أشد الانصار لعلي، ولذلك كان يعتمد عليها في حروبه اكثر من أي قبيلة أخرى.. وذكروا ان الامام علي كان لا يعدل بها أحداً من الناس، كما كان كثير الثناء عليها، ومن جملة مديحه لها في صفين قوله لرؤسائها: أنتم درعي ورمحي.. أنتم انصاري ومجيبو دعوتي، ومن أوثق حيّ في العرب في نفسي.الجذور العرقية للشيعة مسيرات العزاء في منطقة القطيف قديماًإن الشيعة عرب في أصلهم، وهم قسمان: قسم ينتمي إلى القبائل العربية الاصلية القديمة التي كانت تقطن المنطقة قبل الإسلام «عبد القيس وبكر بن وائل»، وقسم ينتمي إلى أصول بدوية تحضّرت واعتنقت المذهب الشيعي، أو عوائل وفروع قبائل أغراها السكن والرفاه، فوفدت من مدن ومناطق مختلفة ـ خاصة من نجد ـ إلى الاحساء والقطيف واندمجت مع البقيّة وذابت عصبيتها.معظم المصادر العربية والأجنبية تجمع على ان شيعة الاحساء والقطيف من ذوي الأصول العربية، وانهم سكان المنطقة الاصليين منذ قرون طويلة.وبرزت في السنوات الأخيرة إدّعاءات تقول بأن الشيعة غير عرب، لأسباب طائفية وسياسيّة معروفة. وكانت مثل هذه الادعاءات قد راجت قبل أن تصبح البحرين أمارة مستقلة، حيث طالب الشاه الايراني المخلوع بها وكان العداء السياسي مع ايران الشاه، ومحاولة الاخيرة الادعاء بتمثيلها لكل الشيعة في البحرين بقسميهم العربي وهو الاكثرية، والأقلية ذات الاصول الاعجمية التي وفدت قبل قرون اثناء سيطرة فارس عليها.. كان هذا هو الذي دفع بالقليل من الكتاب إلى القول بأن الشيعة غير عرب، في حين تصدّى لهم آخرون وأثبتوا عروبة البحرين من خلال عروبة التشيّع والشيعة، وبالتالي عدم أحقيّة فارس في تمثيلهم.ومن المعلوم والشائع في كتابات المؤرخين المعاصرة والغابرة، قولهم ان سكان البحرين «القديمة» هم من البحارنة الشيعة، وانهم دون غيرهم سكان هذه المنطقة الاصليين.وبالنسبة لمنطقتي الاحساء والقطيف، فان احتكاكهما بفارس كان ضعيفاً، عدا التوافق المذهبي، ونزوح جماعات من الشيعة إلى أقاليم فارس المأهولة بالعرب على امتداد ساحل الخليج الشرقي، وبالخصوص إلى ما عرف سابقاً باسم إمارة ««عربستان»».. ولم يثبت المؤرخون، كما لم يعهد السكان الشيعة المحليون، أن عناصر فارسية استوطنت هذه المنطقة، بعكس مناطق الخليج الاخرى، حيث تتواجد أقليّات ايرانية شيعيّة وسنيّة في الامارات وقطر والكويت.غير ان تصاعد الخلاف بين ايران بعد ثورتها على الشاه مع الحكومة السعودية، وعزف الاخيرة على الوتر القومي ـ الذي سبق لها ان حاربته بالعزف على الوتر الديني في العهد الناصري ـ هو الذي سوّغ لبعض الطائفيين الطعن في عروبة الشيعة وعروبة التشيّع أيضاً.وهناك العديد من الطائفيين لا تظهر عروبتهم وهم يجدون الايرانيين ذوي الأصول السنيّة في مختلف دول الخليج، ولا يهتمون بالسلالات الصينية والاندونيسية والهندية والتركية والايرانية في الحجاز، ولم يحاول هؤلاء تجريد أولئك من حقوقهم الدينية، والوطنية بدعوى عدم عروبتهم.. ولكن عددا من هؤلاء الطائفيين ـ وبينهم مسؤولون في الدولة السعودية ـ لا يتورعون عن اتهام رعاياهم الشيعة بأنهم ايرانيون، يجب طردهم من البلاد!.. إن هؤلاء يتجاهلون حقيقة أن التشيّع والشيعة ليسا طارئين في هذه المنطقة، بل ان الطارئ هم غيرهم الذي لم يمض على بقائهم في مناطق الشيعة أقل من قرن من الزمان، كما يتجاهلون حقيقة ان معارضة الشيعة السياسية للحكومة السعودية قد أُلبست لباساً مذهبياً لأغراض معروفة للقاصي والداني.إن الشيعة في المملكة، ورغم أنهم يتبعون المذهب الاثني عشري كالايرانيين والعراقيين واللبنانيين وغيرهم، الا أنهم عرب، وفي بعض الاحيان يسمّون بالبحارنة، نسبة إلى البحرين القديمة، دلالة على اصالتهم في هذه المنطقة، وهم عرقياً قريبون من الشيعة في البحرين.ولا شك أن اصول الشيعة في البحرين والمنطقة الشرقية من المملكة واحدة، فهم ينتمون جميعاً إلى القبائل العربية القديمة «عبد القيس بوجه خاص»، وتاريخ المنطقتين واحد إلى ان جاء الاستعمار البرتغالي، فانفصلت البحرين «أوال» عن «الخط وهجر»، كما هو ثابت لدى المؤرخين.ويضاف إلى هذا فان العوائل في المنطقتين متقاربة نَسَبيّاً، رغم فواصل الحدود، وتكاد لا توجد عائلة في منطقتي الاحساء والقطيف ليس لها ارتباط أو صلة بعوائل في البحرين.. وواضح من التاريخ ان الهجرات بين المنطقتين تجري بسهولة، اما لأسباب اقتصادية، أو فراراً من الاضطهاد السياسي والمذهبي.. فحينما سيطر آل خليفة سنة 1783م على البحرين واحتلوها، امعنوا في الأهالي قتلاً وسحقاً، ففرّ هؤلاء الشيعة إلى الاحساء.. ويذكر كرستن نيبور أنه في منتصف القرن الثامن عشر كان في البحرين 365 قرية ومدينة، وبعد احتلال آل خليفة للبحرين بغزوهم لها من البرّ، اصبحت لا تحتوي الا على مدينة واحدة محصّنة، إلى جانب 40 ـ 50 قرية في حالة سيئة بسبب الحرب الطاحنة بين الغزاة والسكان الشيعة.وبالعكس حدثت هجرات قويّة للشيعة من الاحساء والقطيف إلى البحرين في مطلع القرن الثالث عشر الهجري، حينما سيطر الوهابيون على المنطقة، وحدثت هجرة مشابهة لتلك سنة 1913م / 1331هـ، وهي السنة التي احتلّ فيها الملك عبد العزيز ما يعرف اليوم باسم المنطقة الشرقية.. وتحفل دراسات المؤرخين بتأكيدات على ان الشيعة في البحرين ينقسمون إلى ثلاثة اقسام: الأصليون، والمهاجرون من الاحساء والقطيف، والايرانيون ـ وهم قلّة ـ.وكما أشرنا فان الشيعة يسمّون بالبحارنة، وهي لفظة يطلقها الطائفيون للسخرية والانتقاص.. ومفرد البحارنة بحراني، وهي صيغة عربية صحيحة للانتساب، فكل من سكن البحرين «الاحساء والقطيف والبحرين الحالية» فهو بحراني، ولان كل البحارنة تقريباً هم من الشيعة، لذا اصبحت الكلمة مرادفة في المعنى للشيعي.. فالبحراني تعني الشيعي وتعني ساكن المنطقة الاصلي.. إلا انها تعطى بالنسبة للطائفيين معنى دونيّاً تمييزياً، فالبحراني الشيعي ابن المنطقة بالنسبة لهم، هو غير العربي «الذي يعني البدوي القبلي والسيّد المسيطر».. الجدير بالذكر ان هناك العديد من التابعين ممن سكن المنطقة يلقبون بالبحراني، بل أن ابن المقرّب العيوني ـ الشاعر الفحل ـ ورغم محاولة الطائفيين إلغاء تشيّعه، فانه يلقب بالعيوني البحراني.لا شكّ ان هناك صعوبة في التعرف على انساب الشيعة، ومرّد ذلك كما اشرنا إلى قوانين التحضّر والاستقرار، فهذه المنطقة عريقة في الحضارة، ومجتمع الحضر يذيب ـ في العادة ـ الأنساب والأصول، خاصة في التجمّعات الدينية التي لا تتفاخر بأنسابها، ونحسب ان منطقة البحرين بشكل اجمالي واحدة منها.. والذي ميّز المنطقة وبعض مناطق عمان عن نجد ومشيخات الخليج الاخرى، انها كانت متحضرة قبلها بمئات ـ أن لم نقل بآلاف السنين... فهذه المنتجات ما هي الا قبائل مترحلة في اغلبها إلى ان استقرّت قبل سنوات قليلة وتحوّلت إلى امارات.. والقبائل تحافظ على انسابها لأنه لا قيام لقبيلة الا بها. فلا الدين عندها يجمع افرادها بأقوى مما يجمعها النسب، ولا روح الاخوة والإسلام تشدّهم كعصبيّة القبيلة. ولتحضّر هؤلاء المتأخر في نجد وقطر والكويت وبعض قبائل عمان والامارات، فان من الطبيعي انهم يعرفون انسابهم.لكن هل يمكن معرفة انساب سكان دمشق أو القاهرة أو بغداد؟!.. ان المسألة تبدو في غاية الصعوبة، وبالنسبة للشيعة فانها تبدو اكثر اغراقا في الصعوبات، لخصوصية في المذهب الشيعي الذي لا يحفل بالقوميات اكثر من أي مذهب اسلامي اخر.ومع أن هناك الكثير من العوائل النجدية والقبلية الاخرى استوطنت الاحساء قبل حوالي ثلاثة قرون واعتنقت المذهب الشيعي، الا ان معظم افرادها لا يدركون اصولهم العرقية ولا انتماءاتهم المذهبية السابقة، الا قلّة من رجالهم المعمرين في السن.وهناك مسألة اخرى، وتتعلق بصعوبة التعرّف على اصول السكان من خلال اللهجات.. صحيح ان الشيعة في البحرين والمنطقة الشرقية في المملكة تأثرت لهجتهم باللهجة العراقية، نظراً للتداخل المذهبي، وباعتبار ان العراق كان مهوى العلم والعلماء، وان معظم علماء الشيعة في هذه المناطق درسوا في تلك البقاع، وان معظم الشيعة يزورون الاماكن المقدسة الدينية.. قد تكون هذه اسباب تأثر لهجة الشيعة في الخليج باللهجة العراقية، لكن الاختلاف بينها واسع بيّن.قد تكون لهجة الشيعة في المنطقة غريبة على مسامع السكان البدو الوافدين، تماماً مثلما هي لهجتهم غريبة على اسماع السكان الاصليين، فهل يصحّ ان يقيّم البدوي الوافد لهجة السكان الاصليين ويقرّر أنهم ـ وبحكم اقتراب لهجتهم بلهجة سكان آخرين ـ أنهم من اصل مشترك، أو وافدين من ذلك البلد؟!ومع وضوح عروبة سكان المنطقة، فانك تجد من يعرّف كلمة «البحراني» بصورة خاطئة متعمّدة، فيقول بأن شيعة البحرين والقطيف والهفوف ينطقون باللغة العربية«!».. واستكثر عليهم ان يصفهم بالعرب، أو ان يقول بأن لغتهم هي العربية، وأنهم لا يجيدون غيرها.. ثم اشار بتفاخر إلى ان السنّة في الاحساء يطلقون لقب البحراني على كلّ شيعي.أبرز مناطق الشيعة في المملكة يسكن الشيعة الاثنا عشرية «الإمامية» في مدن وقرى المنطقة الشرقية، اضافة إلى المدينة المنورة ومكة المكرمة والإماميون في مكة والمدينة، ويتكاثرون في الاحساء والقطيف. وكل سكان القطيف من الشيعة فيما يتمركز الاسماعيليون جنوب المملكة «نجران وقراها»، وتوجد اقليّات شيعيّة «زيدية وإماميّة» في مدن وقرى مختلفة من المملكة.مناطق أخرى للشيعة يتواجد الشيعة في مناطق المملكة المختلفة وبكثافة متفاوتة. في الأسطر التالية تحديد لمواقعهم وعددهم: • المدينة المنورة: وتسكنها اربع جماعات شيعيّة جعفريّة:زوار من الشيعة يزورون قبور أئمة البقيع في المدينة المنورة• النخاولة: ومفردها نخلي، وهم من القبائل العربية، وقد تداخل معهم عدد من ابناء القبائل الاخرى طلباً للحماية قبل نحو قرنين من الزمان مثل «العصارى» الذين ينتمون إلى عنزة «بني أعصر». والنخاولة هم اكثر الشيعة عدداً وانتشاراً، وقد تعرّضوا للاضطهاد والأذى بسبب التحامل الطائفي.. • الاشراف: ويأتون بعد النخاولة في العدد، وهم سادة من بني هاشم. كما انهم ينتشرون في مناطق اخرى غير المدينة المنورة مثل مكة المكرمة وجدّة والطائف ومدن المملكة الجنوبية.قال صاحب كنز الأنساب أن من بين من ينتمي إلى هذه القبيلة «الأشراف» في المنطقتين الغربية والجنوبية من المملكة: الحيادرة، والنسبة إليهم حيدرية، وهم بطن من بني جعفر الصادق يُعرفون ببني أيمن. وآل ابراهيم ويسكنون ينبغ النخل، وآل حسين مع قبيلة الضفير ـ سادة حسينيون ـ. ومن المعروف تاريخياً أن الاشراف في مكّة كانوا على مذهب الشيعة، وأن المماليك كانوا على مذهب السنّة، وقد حكم الاشراف المناطق المقدّسة سنوات طويلة في القرون الماضية وحتى وقت قريب أيضا.• قبائل حرب وجهينة «الحروب»: حيث اعتنق بعض افرعها المذهب الشيعي «فرع بني علي/ الفريد، وغيرهما». وقد اشار احد الكتاب إلى انتشار المذهب الشيعي بين قبائل حرب وجهينة.• المشاهدة: وهم من أصول عربية ويتواجدون في مكة والمدينة المنورة، الا أنهم اقل الفئات عدداً. ومن آل المشهدي الكاتب والروائي محمد بن عيسى المشهدي.وبالطبع هناك أعداد غير قليلة من الشيعة الزيدية أقامت في السنوات الأخيرة في المدينة المنورة. ويوجد الشيعة في العديد من القرى المحيطة بالمدينة المنورة أو التي تدخل ضمن إطارها الإداري، من بين هذه القرى:• وادي الفرع: الواقع جنوب المدينة المنورة، وقد اشتهرت قرى الوادي ـ وبينها قرى شيعية عديدة ـ بكثرة مياهها ونخيلها وطبيعتها الخلاّبة، ومن القرى الشيعية المعروفة قرية «ابو ضباع» ويسكنها لفيف من الحروب والأشراف.• السويرقية: وتقع جنوب شرقي المدينة، وغالبية سكان القرية من الشيعة الأشراف.• ينبع النخل: ويطلق هذا الاسم على جهة واسعة على شكل عقد من القرى ينتظم من الشمال الشرقي نحو الجنوب الغربي. والمنطقة عامرة بالسكان والبساتين وتبعد عن المدينة المنورة حوالي 150 كيلومترا. • مهد الذهب: وهي القرية المعروفة بمناجم الذهب، ويتواجد فيها عدد غير قليل من الشيعة من قبائل عربيّة متفرقة.ويقدّر مجموع الشيعة في المدينة المنورة والقرى الاخرى المحيطة بها، بنحو مائة ألف نسمة.• الشيعة في مناطق الحجاز الأخرى: هناك وجود للشيعة في مكة المكرمة والقرى المحيطة بها، والطائف وجدة «التي يوجد بها حيّ كبير من الشيعة الحروب».. ويقدّر عدد الشيعة الإثنا عشرية في هذه الأمكنة بنحو عشرين ألف نسمة، ولقسم آخر من الشيعة «الزيود» وجود قوي في المدن الحجازية، ويقدّر عددهم في مناطق جنوب وغرب المملكة ـ حيث وجودهم الأساس ـ بمائة وستين الف نسمة.• الشيعة في نجران: ينتشر الاسماعيليون في المناطق الجنوبية من المملكة، وبالخصوص في نجران وتوابعها، ويسمّون «المكارمة»، نسبة إلى العائلة المكرمية التي كانت تحكم نجران، والتي اشتهر منها حسن بن هبة الله المكرمي، الذي هزم السعوديين في الدرعية في بداية تأسيس دولتهم الأولى.وينتسب هؤلاء إلى قبائل يام الشهيرة، والزعامة منحصرة في فرع ««ابو ساق»». ويقدر عدد الاسماعيليين الشيعة في جنوب المملكة بين 250 ـ 300 ألف نسمة.وهناك عدد كبير من الزيود في نجران من قبيلة وائلة، ويسكنون زور آل حارث وزور وادعة. كما ان هناك عدداً غير قليل من الاشراف الشيعة ويسكنون وسط وادي نجران، ومن رؤسائهم الشريف أحمد ابو طالب. وهناك عدد قليل من الشيعة الاثني عشرية في منطقة نجران، كما يوجد عدد قليل أيضاً من الشيعة الكيسانية.• الشيعة في حائل: سكنت قبائل طيء تلك المنطقة، وكانت من انصار الإمام علي في كل حروبه، وقد تشيّعت واشتهر العديد من زعمائها بحملهم للتشيّع، كعدي بن حاتم الطائي.الأهمية الاستراتيجية لمناطق الشيعة في المملكة:يتوزع الشيعة في العربية السعودية على رقعة شاسعة تشمل مناطق شرق المملكة حيث يشكل الشيعة غالبية الكثافة السكانية رغم سياسات التغيير الديموغرافي التي لجأت إليها الدولة، ويتواجد الشيعة بأعداد غير قليلة في مناطق غرب المملكة وكذلك في الجنوب، ويقدر عدد الشيعة في السعودية إجمالاً بنسبة تتراوح بين 15% وحتى 20% من مجموع السكان الأصليين. وتمتاز أغلب مناطق الشيعة بأهمية الموقع الجغرافي والطبيعة الجيولوجية حيث المصدر الرئيس للمخزون النفطي في المملكة.. كذلك فإن تلك المناطق الشيعية وبالأخص في المدينة المنورة والقطيف والأحساء تحتفظ بمكانة مرموقة في التاريخ، ولها من التراث ما يشهد بعمق تأثيرها في مسار تاريخ البلاد بل والعالم الإسلامي عامة.. وفي الحاضر المعاش فإن الكفاءات والكوادر الشيعية الوطنية ورغم الحصار المفروض عليهم يقدمون خدمات واسعة ويشاركون بفعالية في بناء وتطوير مجالات الحياة المختلفة في البلاد.ويتمتع أبناء الطائفة الشيعية بعلاقات إيجابية واسعة مع مختلف فئات وشرائح الشعب السعودي، ويتعاطف مع قضيتهم جميع التيارات الدينية والليبرالية وبعض أمراء الأسرة المالكة، ويظل التيار السلفي الوهابي في خندق الضد والمواجهة مع الشيعة كما مع الأطراف الوطنية السعودية الأخرى.معاناة الشيعة وتطلعاتهم:ومع هذه الخصوصيات كان يفترض أن يتمتع الشيعة في السعودية بنصيب وافر من حقوق المواطنة على جميع أصعدة الحياة العامة أسوة بباقي أطياف وشرائح الوطن، غير أن عوامل عديدة تضافرت لتجعل الدولة تتخذ تجاههم مواقف التهميش وتعتمد معهم سياسات أقل ما توصف به أنها غير عادلة ولا منصفة.وفي اعتقادي فإن الدولة تعي جيداً ما يعانيه الواقع الشيعي في البلاد من أزمات ومشاكل لا يمكن التغاضي عنها بحال، لأنها ستؤدي لا محالة ورغماً عن إرادة ورغبة الدولة ووجهاء الشيعة الذين يحاولون تهدئة الشارع الشيعي وتخفيف حدة غليانه، ستؤدي الظروف المعيشية والسياسية السيئة القائمة لتوتر الأوضاع وتشنج العلاقة من جديد.ذلك لأن وطأة الأزمة ومعاناة المشاكل التي يواجهها الفرد الشيعي في مختلف نواحي نشاطه اليومي، كفيلة بدفع الشارع كله للمطالبة بالحق في حياة أفضل، تؤمن لهم حاجاتهم الإنسانية الطبيعية، من قبيل المساواة في فرص التعليم والعمل والاستقرار الأمني.فالطموح والتطلع الشيعي لا يتمثل في تطلعات فردية للرموز فحسب، بل هي حاجة تغور بين جوانح الفرد الشيعي الذي يشعر بهضم الحقوق وضائقة المعيشة، بصورة يؤدي حرمانه من تلك التطلعات المشروعة لوقت طويل إلى انتفاض صارخ يحطم كل ما يعترض سبيل وصوله لحاجاته الأساسية وهذه طبيعة إنسانية يتساوى فيها جميع أفراد الناس!علاقة الشيعة بالدولة:اتسمت علاقة الطائفة الشيعية بالحكومة في العربية السعودية بتقاطع واحتقان حاد على مدى سنوات طويلة منذ قيام الدولة السعودية الثالثة، فيما اتضحت صورة التوتر والاضطراب أواخر عقد السبعينات مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران وحتى بداية التسعينات إذ برزت وجوه الأزمة في أشكال متعددة ومختلفة، ولسنا بصدد بيان ودراسة تلك الظروف التي أدت إلى تأزم واقع الحياة الشيعية، غير أنها تتمحض في تحالفات بين الأسرة الحاكمة وخطوط دينية تتقاطع مع العقيدة الشيعية اضطرت الدولة لانتهاج سياسة التمييز الطائفي ضماناً لتحصيل رضا وولاء تلك الأطراف الدينية المتحالفة معها، هذا فضلاً عن مخاوف النظام المبنية على سوء تقديره وفهمه لخصوصيات الشأن الشيعي، وعدم مقدرته على تفهم ظروف وأوضاع الشيعة واحتياجاتهم، وبالتالي افتراض النظام ـ انطلاقاً من هواجس وأوهام خلقتها الخلافات والعلاقة المتشنجة منذ نشوء الدولة السعودية الثالثة ـ لعدم ولاء الفرد الشيعي لوطنه وحكومته.. غير أن الواقع والأحداث التي جرت قبيل وأثناء وبعد أزمة الخليج الثانية، وكذلك موقف الشيعة الحالي في كل مناطق المملكة ضد مخاطر الإرهاب الداخلي وضد التهديدات التي تحدق بالمملكة خارجياً، كل هذا كشف بما لا يدع مجالاً للشك عن عمق الولاء الوطني لدى كافة أفراد الطائفة الشيعية وعلى مختلف مستوياتهم.كان من شأن توتر العلاقة بين الطرفين أن يؤدي إلى انفصام الوشائج الوطنية التي تربط بينهما.. ويبدو أنهما أدركا تأزم علاقتهما والمخاطر التي قد تنتج عن ذلك، فكان أن أعاد كلٌ حساباته تجاه الطرف الآخر ناظراً لطبيعة الظروف المحلية والتحولات التي شهدها العالم مع إطلالة الألفية الميلادية الثالثة.. وكما بدا فإن الطرفين قررا أن يستبدلا أدوات التعاطي فيما بينهما، وهو القرار الذي دفع الجانبين إلى دخول مرحلة ساخنة من المفاوضات السرية والتي استمرت طويلاً، حتى تمخضت عن تحولات جذرية على صعيد العلاقة والفعل السياسي.ولازال الكثيرون يعتبرون تلك نعمة إلهية حبا الله بها البلاد إذ هيأ في كلا الجانبين رجالاً امتلكوا شجاعة مخالفة التقاليد التي حكمت علاقتهما طوال عقود زمنية سابقة، متحدين خطوط الرفض لنهج الحوار والتفاهم عن قرب حول تلك القضايا العالقة والمختلف بشأنها، فقد تمَّ بالفعل تجاوز قطاعات واسعة سواءً في المجتمع الشيعي أو الفئات الأخرى من المواطنين، ولربما من داخل المؤسسة الحكومية أيضاً.لقد ارتأت المعارضة الشيعية آنذاك ـ كما يظهر ـ بأن فرصة الحوار التي أتاحها الملك فهد أجدى وأحرز لمصلحة الطائفة والبلاد من نهج المعارضة من خارج الوطن.. وتوفر على البلاد الكثير من الوقت والجهد والأموال والخسائر التي يستنزفها الطرفين المتنازعين، وبالتالي فمن شأنها الإسراع في انتزاع فتيل التوتر وإرساء وتدعيم مرتكزات الأمن والاستقرار في عموم الساحة الوطنية.كذلك كان من الواضح بأن الحكومة السعودية قد أدركت بالفعل ـ ولو متأخرة ـ خطأ سياسات العنف، الإرهاب، الضغوط، وتضييق الخناق، التي اعتمدتها في التعاطي مع الشأن الشيعي في البلاد.. فكانت تلك المبادرة التي قادها الملك فهد نتيجة دراسة متأنية لملف القضية الشيعية.ورغم الهواجس والمخاوف والتحديات التي حكمت مسيرة المفاوضات السرية، غير أن الطرفين استطاعا القفز عليها والتشبث بوميض الثقة والأمل في مستقبل أفضل للواقع الشيعي والوطني..انتكاسة وجمود:بدا واضحاً أن الأسرة المالكة وبقيادة الملك فهد وانطلاقاً من هذه الدلائل والمؤشرات قد أعادت حساباتها تجاه الطائفة الشيعية، وذلك حين عمدت لحلحلة الأزمة القائمة بالسعي للتفاوض مع المعارضة الشيعية، في خطوة جريئة وناذرة من نوعها وذلك في مطلع التسعينيات كما سبقت الإشارة.إلاَّ أن البعض كان قد حذر المعارضة الشيعية من المضي في هذا الطريق وأوضح لهم مغبة الوثوق بوعود الحكومة استناداً إلى طبيعة مسارات التفكير السائدة لدى الأسرة والمؤسسة الحاكمة.. تلك الأنماط الفكرية العتيقة المستمدة من عقلية قبلية لا تحتمل الاختلاف ولا تقوى على التزام التسامح والقبول بالرأي الآخر.. غير أن المعارضة آنذاك كانت لها حسابات أخرى، وبدا واضحاً بأنها كانت تعول كثيراً على تحول جذري في أجهزة الدولة يقوده الملك فهد مسايرة للمتغيرات الدولية في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي وتحطم جسر برلين، وتصاعد حركة حقوق الإنسان في العالم، وما تبعها من قرار الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة أثناء انعقاد دورتها للعام 1993 حيث خصصت العام 1995 ليكون «عام التسامح الدولي» وهاهي السنوات تنصرم من عمر المصالحة بين المعارضة الشيعية والنظام السعودي.. فترى ما الذي حققته؟.هل اعترفت الدولة بالمذهب الشيعي؟! أمْ سمحت لمعتنقيه أن يمارسوا بحرية شعائرهم العبادية وفق طقوس مذهبهم؟! هل توقفت سياسات التمييز الطائفي في قطاع الوظائف العامة والتعليم العالي؟! أمْ استُبدلت مناهج التعليم في جانبيها العقائدي والتاريخي في مناطق الوجود الشيعي لتساير رؤيتهم المذهبية والتاريخية؟ بل هل اسُتبعدت من هذه المناهج دعوات التكفير ورمي الشيعة بالشرك والطعن في عقائدهم المذهبية؟! وماذا عن حق الشيعة في بناء المساجد وإقامة البرامج الدينية بتمويل ورعاية مباشرة من قبل وزارة الأوقاف عبر تشكيل هيئة أو لجنة من علماء الشيعة ضمن أجهزة الوزارة؟! وما هو مصير الكتاب والثقافة الشيعيين؟! وقبل ذلك هل اعتُمد القضاء الشيعي في محاكم المناطق الشيعية بدلاً من تشويهه وحصاره بين أحكام الإرث والوقف؟! ورغم ما تشكله مناطق الشيعة في شرق البلاد كمصدر وشريان رئيس لاقتصاد الوطن فقد عانت هذه المناطق حرمان شبه تام من خطط التنمية وتم الاكتفاء بشكليات الاهتمام في نطاق الأعمال والتحسينات البلدية فهل شهدت مناطق الشيعة تنمية شاملة حقيقية.بات من الواضح للمراقب بأن شيئاً من ذلك لم يتحقق، ولم تزل الأوضاع تسير وفق الوتيرة الطائفية القديمة، وتكررت تجاوزات رجال الأمن واعتداءاتهم على المواطنين الشيعة، بل لعلها فاقت في جانب معين ما كانت عليه في السابق، ففي الوقت الذي تُعلن الدولة وعبر أعلى مسؤول فيها عن عفو حاتمي عام وغير مسبوق عن قيادات وأفراد عصابات الإرهاب التي عاثت في البلاد قتلاً وسفكاً للدماء وتخريباً وتدميراً للممتلكات طوال الأعوام الأخيرة، ما تزال تصر على اعتقال أبناء الطائفة الشيعية بحجج وذرائع واهية، يستوي في ذلك شيعة القطيف والأحساء ونجران، وعلى رأس القائمة المعتقلون المنسيون الذين احتوشتهم قضبان سجون الحائر على خلفية تفجير أبراج الخبر وهم منه براء براءة الذئب من دم يوسف، وحري بنا أن ننظر المفارقة الصارخة بين اعتقال الشاب الشيخ حسن آل زايد على خلفية توزيعه كتيب شيعي على بعض زملائه الشيعة، وبين الصمت والسكوت المطلق في قبال طباعة إدارة مدرسة الخليج الثانوية بالدمام بحث الطالب حمد بن ناصر الجويسم المعنون «كشف الأسرار» والذي أشرف عليه مباشرة أستاذ مادة الدين المعلم محمد البقمي، وقد حوى البحث تكفيراً صريحاً للشيعة ودعوة لمحاربتهم وقتلهم، وحتى اللحظة لم تتخذ المؤسسة التعليمية أو أي دائرة حكومية أخرى أي إجراء فعال بحق هذا التعدي على حرمة المواطنين الشيعة وحقوقهم.الأمل المفقود:لقد راهن الشيعة على قدرة النظام على تفهم خصوصية الشأن الشيعي والتعاطي معه بروح رياضية تتجاوز إرث الأحقاد والضغائن التي ولدها سوء الفهم والبعد عن مجريات الحياة اليومية في مناطق الوجود الشيعي.. وتمسك كثيرون بمراهناتهم في أن تواصل الحكومة مشوار التسوية مع الشيعة، فتصلح مفاسد وأخطاء الماضي البغيض ـ إن صحًّ إطلاق صفة الماضي عليه وهو مازال معاشاً ولكننا نتمنى أن يصبح كذلك عما قريب ـ.ويكاد الأمل في تنفيذ النظام لوعوده في مجال الحرية العبادية والثقافية، واحترام الخصوصية المذهبية في مجال القضاء والتعليم، ورفع التمييز والمضايقات عن المواطنين الشيعة.. هذا الأمل تبخر أو كاد، وبالتالي فإن الدولة تدفع بالشيعة إلى مرحلة اليأس من الثقة بها وانتظار مبادرة صاحب القرار السياسي بحل الأزمة، وعليه ليس أمام الشيعة ـ حسب ما يبدو ـ سوى البحث عن خيارات أخرى لتسوية أوضاعهم.إلى أين؟إن الشارع الشيعي في العربية السعودية يعيش حالة من التململ والقلق، وتتناقل ألسنة الناس في المجالس والمحافل العامة أسئلة حائرة تعبر عن مخاوفها من المستقبل الغامض الذي ينتظر الطائفة، بعد وصول عملية المصالحة التي تمت مطلع التسعينات إلى طريق مسدود ـ كما يبدوا ـ. وهناك أخبار يتداولها الناس في المجالس عن نية عوائل المعتقلين المنسيين طلب لقاء مع ولي العهد السعودي للنظر في شأن استمرار اعتقال أبنائهم دون تهمة ثابتة.إن الناس عامة تتوجه بأسئلتها إلى رموز المعارضة الذين خاضوا مع النظام تجربة المفاوضات الطويلة.. هل ما زال هناك أمل يستحق الصبر والانتظار، هل نراهن على إنصاف النظام لقضايانا واحتسابنا في جملة أبناء الوطن على قدم المساواة في الحقوق والواجبات؟!وفي الواقع فإن الجماهير الشيعية بمختلف تياراتها التزمت الصمت تعويلاً على الأمل في تغير سياسة النظام، آملين أن تنجح مراهناتهم، لكن حركة الأحداث لا تشير إلى أيَّ تقدم حقيقي مرتقب، وكم يؤسفنا إصرار الأسرة المالكة والمؤسسة الحاكمة على التزام نهج التعسف والاضطهاد لشريحة واسعة من المواطنين، حتى بعد إعلان هيئة الأمم المتحدة لميثاق حقوق الأقليات في ديسمبر1992 وكأنهم مصرون على استمرار التعامل بذات الأدوات والوسائل القديمة التي بات العالم أجمع يرفضها ويدينها!!.وأكاد أجزم بأن كافة الشيعة كانوا يتمنون أن تنجح «مجازفة» المعارضة مع الحكومة أوان ظهورها للعلن، وأن يوفق الطرفان لاكتشاف آليات جديدة تتناغم مع حركة التطور العالمية.. حيث ثقافة العدل والتسامح والتعددية والقبول بالآخر المختلف.. فضلاً عن الديمقراطية والحرية الشاملة لجميع نشاطات الإنسان اليومية.ولم يكن التيار الرافض لعملية المصالحة في بدء انطلاقتها سوى أفراد قلة وربما مجاميع ليست ذات ثقل سياسي ولا اجتماعي أيضاً، أمَّا الآن ـ وبعد مرور أكثر من عقد على تلك البداية ـ فإننا نشعر بتنامي تيار عريض في الوسط الشيعي.. يغلي الشرر داخله لتفاقم سوء الأوضاع المعيشية والاجتماعية والسياسية، وهو مهيأ للانفجار في أية لحظة ولربما دون إنذار مسبق، لكنه مازال يمضي في التشبث بخيط الأمل الرفيع والأخير، وهو بذلك يعطي الحكومة فرصة أخيرة لإعادة النظر فيما يجري حالياً داخل المناطق الشيعية.. أمَّا فيما لو استمرت الأوضاع تسير وفق ما هو قائم الآن من تهميش وتجاهل للوجود وللشأن الشيعي، ومحاولة تجاوز وتذويب الخصوصية المذهبية، حيث يبدوا وكأن الدولة تخطط وتسعى جاهدة لإغلاق الملف الشيعي، وربما هي تعول في ذلك على ذوبان مركز الثقل المؤثر في المجتمع الشيعي، فإذا هي ظلت تعتمد هذه السياسة ولم تقدم على إنصاف الشيعة والاعتراف بهم كجزء من الشعب، وبالتالي لم تمنحهم كافة حقوقهم الطبيعية والإنسانية والمدنية فإن أحداً لا يدري ما الذي سيحدث آنذاك، خصوصاً وأن انفجار الأوضاع سيكون عقب فترة من ضبط النفس وكظم المشاعر وهو الأمر الذي يؤدي دائماً إلى انفجار عنيف ومدمر..ماذا يريد الشيعة:من هنا يفترض بالدولة أن تسارع لفتح مسارات الإصلاح وتدفع بعملية المصالحة خطوات كبيرة للأمام، تفويتاً لاحتمالات التوتر والاضطرابات الشعبية المتوقعة، إذا هي فعلاً كانت تريد الحفاظ على استتباب الأمن والاستقرار، ولن يتم ذلك إلاَّ بإرساء قاعدة المساواة بين المواطنين والكف عن ممارسة سياسات التمييز المذهبي والطائفي، وكذلك بالتوقف عن مصادرة الهوية الذاتية للشيعة، وفي ناحية الفعل فإنه يتوجب الإسراع في تحقيق أبرز المطالب الشيعية المشروعة وهي: 1- الاعتراف الرسمي بالمذهب الشيعي.2- استقلال القضاء الشيعي واعتماد رؤى المذهب الشيعي في محاكم المناطق الشيعية.3- إعطاء الشيعة الحق في صياغة مناهج الدراسة لأبنائهم في مجالات العقيدة والفقه والتاريخ.4- توفير الحماية القانونية للشيعة ضد التعدي على معتقداتهم وتكفيرهم بما يوجب سحب تلك الفتاوى الصادرة بحقهم من علماء المؤسسة الدينية الرسمية وتجريم أي فعل مماثل قد يقع مستقبلاً.5- ضمان مبدأ تكافؤ الفرص لأبناء الشيعة أسوة بباقي المواطنين في قطاعات التعليم والعمل بما في ذلك القطاع الأمني والعسكري.6- شمول المناطق الشيعية بالخطط التنموية وبالمستوى الذي يضمن التعويض عن الحرمان والتهميش الماضي والحاضر.7- السماح بتأسيس الأجهزة الإعلامية التي تعنى بالشأن الثقافي والديني الشيعي، ومساواتها في الدعم الحكومي بمثل ما تحظى به الأجهزة والمؤسسات الإعلامية الأخرى في البلاد.ويمكن للقارئ ملاحظة أن جميع هذه المطالب، يجمعها إطار واحد يتمثل في إنهاء سياسة التمييز وإرساء مبدأ المساواة في التعاطي مع شؤون الشيعة الوطنية العامة وهو حق طبيعي لكل مواطن، فمتى ما تمَّ هذا فإن الفرد الشيعي سينصهر في التكوين الوطني ولن يعود يشعر بالغربة والاستلاب وفقدان الهوية، بخلاف ما هو قائم الآن حيث التهميش المطلق الذي يُشعر كل فرد شيعي بالاضطهاد والمظلومية.وبنظرة مستقبلية واعية يتضح بأن هذا الخيار أصلح للبلاد ـ حكومة وشعباً ـ من التعنت والعصبية التي قادت وحتى الآن إلى الحيف والذي بدوره خلق التشنجات والاحتقانات الشعبية، وأوجد القطيعة بين المواطنين والحكومة. ولنا أن نشير إلى أن أروقة الحكم مازالت بحاجة إلى حملات تطهير وفرز لأولئك الأشخاص الذي دأبهم صب الزيت على الشرر، وهم مّنْ يقف اليوم حجر عثرى في سبيل إتمام عملية الوفاق التام بين الشيعة والدولة، إذ أنهم يعمدون إلى افتعال الأزمات للمواطنين ويرصدون ردات فعل الناس ثم يضخمونها بصورة درامية لإيغال قلوب كبار الأسرة الحاكمة ضد الطائفة والمذهب.وبدون هذه الخطوات العملية فإن استشراف مستقبل العلاقة الشيعية/السعودية أمرٌ لا يدعو أبداً إلى أدنى مستويات التفاؤل، بل لعلنا نلمح حالياً مؤشرات تدعو للقلق على ما ستؤول إليه الأوضاع في غضون الحقبة الزمنية القادمة.. وكم يؤلمنا أن تظل بلادنا حتى الآن غير قادرة على صنع آليات التلاحم الوطني وتكوين سبل الحياة المستقرة لكافة أبناء الوطن الموحد.فمن المؤكد لو استمرت الأوضاع الراهنة على ما هي عليه، فسيكون الشيعة معذورين أمام الله والتاريخ وأمام أنفسهم وشعبهم إذا ما اضطروا للاستدارة للوراء واستقبال الطريق الآخر، وتناسوا عرس المعارضة الشيعية مع النظام، فلم يعد الحال يحتمل التأجيل والانتظار خصوصاً مع وجود عشرات المعتقلين الشيعة على خلفية طائفية وسياسية يرزحون داخل زنزانات وأقبية سجون النظام في الرياض ونجران والقطيف والأحساء، لا يُعرف مصيرهم، ولا التهم الموجهة ضدهم، ولا ظروف حياتهم داخل السجون.. وهكذا تكون الفرصة قد أزفت لتحدد الدولة قرارها بأن تحلحل المشاكل العالقة عبر القنوات السائدة، وتوفر على البلاد حكومة وشعباً.. ما يمكن أن ينتج عن اللجوء إلى السبل والوسائل الأخرى.أبرز شخصيات شيعة السعوديةلعب رجال الدين الشيعة السعوديون أدوارا مهمة في صياغة العلاقة بين مجتمعهم والدولة السعودية منذ نشأتها، فقد كانوا في أغلب الأحيان يتصدون لقضايا مجتمعهم ومطالبه ويتواصلون مع مسؤولي الدولة لهذه الأغراض.ورغم تباين وجهات نظرهم السياسية وتقييمهم للواقع الاجتماعي، فإن معظمهم انتهى إلى التوافق مع النظام السياسي القائم والتعاطي معه ورفض التعامل مع الأنظمة المنافسة في المنطقة سواء أكانت الأتراك أو الإنجليز الذين كان لهم حضور بارز في مناطق الشيعة، وكانوا يدفعون هذه الطائفة باتجاه التحالف معهم بدلا من نظام الحكم السعودي. كما أنه من الملاحظ أن المطالب التي كان علماء الشيعة يتقدمون بها طوال هذه المرحلة تتركز على ضمان حرياتهم الدينية ومساواتهم مع المواطنين الآخرين في قضاياهم الاقتصادية والسياسية.وفيما يلي تعريف بأبرز هذه الشخصيات الدينية التي لعبت وما زالت تلعب دورا مهما في التوازن الاجتماعي والسياسي في المجتمع الشيعي، وهي مرتبة حسب تواريخ الميلاد. الشيخ/ محمد بن ناصر النمر «1856-1927م»ولد ببلدة العوامية في القطيف، ودرس العلوم الدينية في مدينة النجف وأقام فيها 15 عاما بلغ فيها مرتبة الاجتهاد مع أنه كان كفيف البصر منذ صغره.اشتهر بمعرفته بالطب وعلوم الفلك والهندسة ودرس على يديه مجموعة كبيرة من العلماء بعد عودته لوطنه، وله مؤلفات عديدة وكلها مخطوطة لم تتم طباعتها.إبان مفاوضات الملك عبد العزيز مع وجهاء القطيف، اتخذ النمر موقفا متشددا من ذلك ودعا الناس إلى عدم تسليم أسلحتهم، كما حرضهم على المقاومة المسلحة أثناء الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالمنطقة إثر مضاعفة الضرائب وبسبب ضغوط الوهابيين على الشيعة. وتمت محاصرة قصر الإمارة وشكل المهاجمون الشيعة قيادة لهم مما دفع الإنجليز للإسراع في فرض حصار على القطيف ومنع الإبحار من موانئها. وتم حل الأزمة بعد زيارة الملك عبد العزيز للجبيل والتفاهم مع رجالات المنطقة حيث سبقه وفد رفيع المستوى إليها. توفي الشيخ النمر في 1927 ودفن في بلدته العوامية.الشيخ/ حسن علي البدر «1857-1913م»أحد كبار المجتهدين في القطيف وكان له موقف مخالف من مبايعة الملك عبد العزيز وذلك تحسبا لغدر البدو وسيطرة الوهابيين، وأعلن ذلك في اجتماع عام. غادر القطيف واستقر في العراق وتوفي بمدينة الكاظمية عام 1913. وهو صاحب كتاب «دعوة الموحدين إلى حماية الدين» الذي ألفه استنهاضا للهمم للدفاع عن الأراضي الليبية إبان الهجوم الإيطالي عليها، وشارك في ثورة العشرين في العراق ضد الاستعمار البريطاني.الشيخ/ علي بن حسن علي الخنيزي «1868-1943م»من الأسر العريقة بالقطيف ولد بها ودرس فيها مبادئ القراءة والكتابة، ثم انتقل إلى النجف الأشرف بالعراق للدراسة الدينية أثناء الفترة ما بين «1891-1905م» ثم عاد إلى وطنه مع انتهاء دراسته وحصوله على شهادات الاجتهاد من كبار العلماء والمراجع هناك.تبوأ منصب القضاء الشرعي منذ عودته وطيلة أيام الحكم التركي وفترة من الحكم السعودي. لعب دورا مهما في مواجهة هجمات البدو على مناطق الشيعة والتصدي لها، كما ساهم في إقناع الوالي التركي بالانسحاب من القطيف بعد الإعلان عن عزم الملك عبد العزيز بدخول القطيف إثر استسلام الأحساء وذلك حقنا للدماء.رأس الشيخ الخنيزي اجتماع الشخصيات الشيعية مع الملك عبد العزيز الذي أفضى إلى الاتفاق على مبايعته مقابل ضمان حريتهم في عقائدهم الدينية وشعائرهم المذهبية وتم تثبيت الشيخ الخنيزي قاضيا وحيدا لمنطقة القطيف. وبسبب زيادة الضرائب المفروضة على الأهالي وتعرضهم المستمر لمضايقات المطاوعة «الوهابيين» حدثت اضطرابات شعبية ساهم الشيخ الخنيزي في تهدئتها عبر اتصالاته بالمسؤولين وحل الأمر سلميا مع الجهات المسؤولة. توفي في البحرين إثر مرض عضال في 1943 ونقل جثمانه للقطيف حيث دفن هناك.الشيخ/ موسى بن عبد الله أبو خمسين «1874-1932م»أحد كبار المجتهدين الشيعة في منطقة الأحساء، ولد في مدينة الهفوف وهاجر وهو يبلغ 12 عاما إلى النجف الأشرف في العراق لغرض الدراسة الدينية. أجيز بالاجتهاد من كبار علماء الحوزة العلمية هناك وتأهل للمرجعية فيما بعد. تفرغ للخدمة الاجتماعية بعد عودته للإحساء وأصبح قاضيا عاما فيها حتى صارت أحكامه نافذة رسميا، فلم يكن حاكم المنطقة يبت في قضية أفتى فيها الشيخ أبو خمسين. رأس اجتماع أهالي الأحساء مع الملك عبد العزيز في أبريل/ نيسان 1912 بمنزل الشيخ عبد اللطيف الملا حيث عقد اتفاق بينهم ينص على المبايعة ونشر الأمن والاستقرار مقابل ضمان حرية الأهالي الدينية. الشيخ/ عبد الحميد بن الشيخ علي الخطي «1910-2001م»ولد بالقطيف في 1910 ودرس فيها عن طريق الكتَّاب القرآن الكريم ومبادئ الحساب ومقدمات اللغة العربية والفقه ثم توجه في عام 1937 إلى النجف الأشرف ودرس فيها السطوح «الدروس الأولية»، وحضر دروس البحث الخارج «الدراسات العليا» عند كبار علماء الحوزة، وأجيز في مجموعة من العلوم عن طريقهم كالفقه والقضاء والمنطق وعلم أصول الفقه.وأثناء إقامته في النجف شارك في العديد من النشاطات كجمعية الرابطة الأدبية ولازم نخبة من الأدباء. ثم عاد إلى موطنه السعودية ومارس العديد من الأنشطة الدينية والاجتماعية والثقافية وانكب على الكتابة والتأليف والبحث والتدريس حتى صار رائدا وصاحب مدرسة شعرية مميزة.كان مشاركا في الحركة المطلبية الخاصة بقضايا الشيعة الدينية والاقتصادية عن طريق كتابة العرائض والبرقيات واللقاءات مع مختلف المسؤولين.في عام 1974 تولى رئاسة محكمة الأوقاف والمواريث الجعفرية بالقطيف إلى أن توفي عام 2001. له العديد من المؤلفات والأعمال الشعرية من أبرزها «اللحن الحزين أو وحي النجف»، «ديوان عبد الحميد الخطي»، «من كل حقل زهرة»، «وحي القطيف أو وحي العواطف»، «معركة النور مع الظلام»، «خاطرات الخطي».الشيخ/ باقر موسى عبد الله أبو خمسين «1915-1992م»ولد بمدينة الهفوف وتربى في كنف والده الذي يعد من كبار علماء الأحساء وتلقى فيها علومه الأولية ثم سافر إلى النجف الأشرف بالعراق عام 1929 ودرس فيها العلوم الدينية وحينها شارك في العديد من الصحف اللبنانية والعراقية بمقالات متنوعة.تولى القضاء في محكمة الأوقاف والمواريث الجعفرية بالأحساء عام 1968، وقام بالتدريس الديني ومارس العديد من النشاطات الدينية والاجتماعية منها إقامة المؤسسات الدينية، وجمع التراث العلمي والأدبي في الأحساء، وتسهيل المنح الحكومية للأراضي. بقي يزاول عمله في القضاء حتى وفاته عام 1992، ودفن بمقبرة البقيع بالمدينة المنورة. ألف العديد من الكتب في الشعر والتاريخ والأدب والأخلاق ومن أبرزها «أثر التشيع في الأدب العربي».الشيخ/ محمد بن سلمان الهاجري «ولد عام 1923م» ولد في الهفوف بمنطقة الأحساء في 1923 ودرس فيها القرآن ومبادئ القراءة والكتابة، ثم درس مقدمات علوم اللغة العربية والفقه وأصول الدين. سافر إلى العراق للدراسة الدينية عام 1945 وبقي هناك لأكثر من عشرين عاما، حصل فيها على إجازات كبار العلماء والمراجع. منذ عودته لموطنه عام 1969 بدأ بالاشتغال بالتدريس والإرشاد الديني وساهم في دعم وتأسيس الحوزة العلمية بالأحساء التي خرّجت العديد من علماء الدين، كما تصدى للكثير من القضايا الاجتماعية.يعمل حاليا قاضيا لمحكمة الأوقاف والمواريث الجعفرية بالأحساء.السيد/ حسن باقر العوامي «ولد في 1924م» ولد بالقطيف في 1924 والتحق بالكتّاب في سن مبكرة وأكمل دراسة القرآن الكريم واللغة العربية والحساب ودرس الأدب العربي وقرض الشعر وشارك في المطارحات الشعرية والمجالسات الأدبية.سافر إلى النجف الأشرف واستقر فيها خمس سنوات مواصلا الدراسة في الفقه وأصول الدين والمنطق والبلاغة. عمل منذ عودته للقطيف محاميا ولا يزال يترافع في قضايا عديدة. له مساهمات أدبية وتاريخية في مجلتي الواحة والكلمة اللتين تصدران في القطيف، ونشرت له العديد من المقالات في الصحف المحلية والعربية. عين سكرتيرا للمجلس البلدي لمدة خمس سنوات. له نشاطات اجتماعية كثيرة وساهم في تأسيس وتشجيع قيام العديد من المؤسسات الخيرية والاجتماعية بالقطيف منها افتتاح أول مدرسة ابتدائية للبنات في القطيف عام 1958. شارك ولا يزال في تقديم ورفع العرائض والمطالبات إلى المسؤولين فيما يتعلق بالحالة الدينية والاقتصادية، كما يعتبر من أبرز ممثلي الطائفة الشيعية في لقاءاتهم مع مسؤولي الدولة.من مؤلفاته «الضائعون» و«دنيا العرب والمسلمين» ومؤلفات عديدة في القضايا الاجتماعية.الشيخ/ عبد الهادي بن الشيخ ميرزا الفضلي «ولد في 1935م»ولد في قرية صبخة العرب بمدينة البصرة، وبعد أن ختم القرآن الكريم لدى كُتّابها التحق بالمدرسة الابتدائية وبدأ الدراسة الحوزوية فدرس النحو والصرف والمنطق والبلاغة.في سنة 1948 التحق بالحوزة العلمية في النجف الأشرف لإكمال دراسته وله من العمر 14 عاماً، وأكمل هناك دروس المقدمات والسطوح لدى عدد من الأعلام ثم حضر أبحاث الخارج أيضا، بعدها التحق بكلية الفقه في النجف وحصل منها على البكالوريوس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية وذلك سنة 1962، ثم تخرج في كلية الآداب بجامعة بغداد سنة 1971 بدرجة ماجستير آداب في اللغة العربية.ابتعث من قبل جامعة الملك عبد العزيز بجدة إلى كلية الآداب بجامعة القاهرة وتخرج منها سنة 1976 بدرجة الدكتوراه في اللغة العربية في النحو والصرف والعروض، وعمل أستاذا للغة العربية في كل من جامعة الملك عبد العزيز والجامعة العالمية للعلوم الإسلامية بلندن. نشرت له مقالات وأبحاث ودراسات في مجلات عربية عديدة، وشارك في العديد من النشاطات الأدبية والثقافية وهو عضو في أكثر من منتدى أدبي وعضو مؤسس للجامعة الإسلامية بالمملكة المتحدة.السيد/ علي السيد ناصر السلمان «ولد في 1944م»ولد بالنجف الأشرف في 1944 وبدأ دراسته في الحوزة بالأحساء وعمره عشر سنين، ثم هاجر إلى النجف الأشرف سنة 1950 ليواصل دراسته، فأكمل المقدمات والسطوح وحضر أبحاث الخارج لدى لفيف من كبار علماء وأساتذة الحوزة، وحصل على شهادة البكالوريوس من كلية الفقه في مجال الفلسفة. عاد إلى موطنه الأحساء في مدينة المبرز فلبث فيها فترة يسيرة ثم انتقل إلى مدينة الدمام حيث يؤم المصلين في جامع العنود. له «رسالة في أسرة السلمان وشيء من تاريخ مدينة المبرز»، «روحية الإنسان وماديته»، «نظرية المعرفة» «رسالة بكالوريوس في الفلسفة».الشيخ/ حسن موسى الصفار «ولد في 1956م»يعد الشيخ الصفار من أبرز القيادات الشيعية الإصلاحية المعاصرة، وهو من مواليد القطيف التي درس فيها مبادئ القراءة والكتابة والتحق بمدارسها ثم انتقل للدراسة الدينية في النجف الأشرف فالكويت فإيران.مارس الخطابة في سن مبكرة وتبوأ مكانة بارزة عن طريق دوره في تنمية ودفع الصحوة الدينية عبر ممارسة الطرح الديني المعاصر وتخريج كوادر وكفاءات فكرية وثقافية، وهو خطيب منبري وجماهيري مفوه حيث تزعم العديد من الأنشطة الدينية والاجتماعية في السعودية ومختلف دول الخليج. عاد إلى موطنه عام 1994م بعد هجرة قاربت 15 عاما قضاها في قيادة وتفعيل العديد من المشاريع والأنشطة الثقافية والسياسية والإعلامية في مناطق مختلفة.قاد مبادرات مهمة في التواصل مع قادة التيار الديني السلفي والانفتاح معهم، وكذلك مع كبار المسؤولين في الدولة.له العديد من المؤلفات والأعمال الثقافية في مجالات مختلفة. له آراء جريئة ومتنورة في قضايا التجديد الإسلامي والسلم الاجتماعي والتعايش السلمي والحوار مع الآخر. صدرت له مجموعة من الكتب والأبحاث طبع بعضها عدة طبعات وترجم بعضها إلى عدة لغات، ومن أبرز مؤلفاته «الوطن والمواطنة»، «التعددية والحرية في الإسلام»، «التطلع للوحدة وواقع التجزئة في العالم الإسلامي»، «التنوع والتعايش: مدخل لتأسيس الشراكة للبناء الحضاري».علاقة شيعة السعودية الخارجية مذهبيا وسياسياهناك جملة من الأسئلة تواجه الأقليات في العالم عامة، مثل موضوع الهوية والارتباط بالخارج والموقف من السلطة السياسية القائمة واتجاهات الولاءات إن كانت للداخل أم للخارج، للفكر أم للسياسة.. إلخ. ولطالما واجهت هذه الأسئلة المواطنين الشيعة في المملكة، فهل ولاؤهم للمذهب قبل الوطن؟ وهل ولاؤهم للخارج الديني يؤثر في ولائهم السياسي الوطني؟ وهل هم عملاء وطابور خامس لليهود والأميركيين حسبما تشير بعض الأدبيات السلفية المتداولة داخل المملكة؟ انتماءات شيعة السعوديةتواجه المواطنين السعوديين عامة مجموعة من الأسئلة عن الانتماءات والولاءات غير المحسومة والمتفاعلة مع بعضها بعضا أو المؤثرة في بعضها بعضا. فهناك الانتماء المناطقي مقابل الانتماء للدولة بحدودها المعروفة، وهناك الانتماء الوطني مقابل الانتماء الديني/ المذهبي، وهناك الولاء للنظام السياسي مقابل الولاء للوطن وليس متساوقاً معه، وغير ذلك.إن موضوعات الانتماء والولاء والهوية غير واضحة المعالم لدى المواطن السعودي، وقد انعكس ذلك على علاقته بالدولة وعلى أولوياته السياسية والدينية.بالنسبة للمواطنين الشيعة، فإن علاقتهم بالسلطة السياسية لم تكن في يوم من الأيام حسنة، فقد كانت تتدرج بين السيئ والأسوأ، حسب طبيعة المعاملة التي يتلقونها من العائلة المالكة، وحسب قوّة وتأثير السلطة الدينية الرسمية في القرار الحكومي. ونظراً للأزمة الهيكلية الناشئة من حقيقة أن الدولة قامت على أسس «الحرب الدينية» بين المسلمين «أتباع المذهب الرسمي» والكفار «ما عداهم».. ونظراً لحقيقة سيطرة مذهب «أقليّة» على القرار الديني المتفاعل مع القرار السياسي، واعتماد نفس المنهج القديم في الحروب وإن بصور مختلفة عما كان قبل قيام الدولة، بقيت العلاقة بين الدولة والسلطة السياسية متأزمة لم تحل منذ سيطرة الملك عبد العزيز على المناطق الشيعية عام 1913. وأدّى الدور الكبير الذي منح لعلماء المؤسسة الدينية الرسمية إلى إضعاف الزعامة الدينية المحلية الشيعية وغيرها -كما في الحجاز- لحساب الخارج الديني المتماثل مع الداخل.شيعة السعودية وإيرانإن أحد أوجه علاقة الشيعة مع الخارج تصنّف ضمن البعد الديني والثقافي، وهذا أمر مقبول ومتعارف عليه بين كل الجماعات الدينية بما فيها المملكة نفسها. فهناك جماعات سلفية في كل أنحاء الدنيا تستقي من علماء المؤسسة الدينية الرسمية مرجعيتها ورسالتها وعنوانها ونشاطها ودعمها المادي والمعنوي. وبالنسبة للشيعة في المملكة، كان العراق من الناحية التاريخية -وقبل قيام الدولة السعودية الحديثة- مركزاً علمياً يستقطب أبناءهم للدراسة الدينية. فالعراق هو مركز التشيع «العربي» وحاضرته الأساس، وبغيابه -بسبب ظروف القمع السياسي والطائفي في العراق في فترة حكم البعث- توجهت الأنظار إلى إيران التي انتصرت فيها الثورة للتوّ، مما أعطى الارتباط الديني العبادي الصرف ملامح سياسية واضحة، خاصة وأن الإمام الخميني ولأول مرة في تاريخ الشيعة الحديث كان مرجعاً دينياً وسياسياًً في آن واحد، وكانت إيران والمملكة تعيشان صراعاً حادّاً بشأن مسائل عديدة، أدّى في أحد جوانبه إلى استهداف شيعة المملكة في الداخل من قبل السلطة السياسية والمؤسسة الدينية الرسمية.لا شك في أن انتصار الثورة في إيران، وبقيادة رجال دين، أعطى دفعة معنوية لشيعة المملكة، وضمن هذه الحدود كان الأمر مقبولاً وطبيعياً، فالتموجات السياسية تؤدي إلى انعكاسات محلية ليس فقط على فئة محددة من السكان بل على مجمل البلدان والشعوب المجاورة، ويكون تأثيرها بحجم الخلل الداخلي القائم. وإن القول بأن أزمة الشيعة في المملكة بدأت منذ انتصار الثورة في إيران خاطئ من زوايا عديدة، أولها أن المشكلة بين الشيعة والسلطة السياسية ابتدأت منذ قيام السلطة السياسية السعودية بسبب التمييز الطائفي الشديد. ومن جهة ثانية فإن تحسّن العلاقات الإيرانية السعودية والذي شهدنا فصوله في السنوات الماضية لم يغيّر من واقع الحال. ولذا يجب أن ينظر إلى المشكل في بعده المحلّي قبل التفكير في إلقاء اللوم على الآخرين خارج الحدود. كما يجب التفريق بشيء من الحذر بين الولاء الديني والمرجعي وبين الانتماء والولاء السياسي في ظرف نعلم فيه أن المؤسسة الدينية الرسمية لا تمثل إلا قطاعاً محدوداً من السكان السعوديين، وأن الحكومة السعودية فشلت في خلق مؤسسة دينية جامعة لكل المذاهب الدينية في المملكة وإشراكها في صناعة القرار الديني، كما فشلت في مأسسة العمل الديني غير السلفي «أو لنقل من باب التعريف: غير الوهابي» ولم تقبل بتشكيل مؤسسة دينية شيعية داخل المملكة تكون مرجعاً للشيعة السعوديين ووسيطاً بينهم وبين السلطة السياسية، بحيث ينخفض الشعور بالحاجة إلى التوجيه الديني الخارجي بالنسبة للمواطنين الشيعة، وبالشكل الذي يجدون فيه أقنية محددة وفاعلة تحلّ مشاكلهم اليومية.الديني والسياسيإن الحذر في الفصل بين الموضوعين الديني/ الثقافي والسياسي مطلوب، ولكنه في حقيقة الأمر ليس قطعياً. ففي كل مكان في العالم يتداخل الولاء الديني بالسياسي كما هو حاصل في المملكة نفسها، إذ يعتقد المسؤولون السعوديون أن الولاء الديني للمذهب الرسمي شرط أساسي لولاء سياسي صادق لهم كنظام حكم، وهناك عدم تفريق بين الولاء للنظام السياسي وبين الولاء للدولة نفسها. هذا الاعتقاد أدّى إلى النظر إلى غير «السلفي» بعين الشك والريبة، وترتب عليه إرساء قواعد سياسة التمييز الطائفي التي شملت الشيعة وغيرهم من المواطنين في الوظائف والخدمات وتسلم المواقع الحكومية. والتداخل ذاته يمكن أن نجده لدى بعض المواطنين الشيعة، فاتباع مرجع ديني معيّن، سواء كان في إيران أو في العراق أو حتى في لبنان، ينعكس على الموقف السياسي للأفراد أو «المقلدين» تجاه كل القضايا السياسية المطروحة على الساحة العربية والإسلامية بما فيها الموقف من نظام الحكم في المملكة نفسه. وبديهي أن معظم المراجع الدينيين وإن كانوا لا يعيرون اهتماماً للشأن السياسي وإعطاء مواقف سياسية من الأحداث، فإنهم يجبرون على توضيح مواقفهم بسبب الظروف المفروضة عليهم، وبسبب إلحاح «المقلدين» على استماع وجهات نظرهم. وبديهي أيضاً أن مواقف المراجع الدينيين أنّى كانوا يتأثر بشكل كبير بالموقف الرسمي السياسي السعودي تجاه المذهب الشيعي السلبي من جهة، كما يتأثر بموقف المؤسسة الدينية الرسمية وفتاواها الشديدة الحدّة للشيعة كأتباع مذهب منتشر في كل أنحاء العالم، أو كأقلية دينية في المملكة نفسها.إن حدّة الاستقطاب الديني والسياسي في المجتمع الشيعي السعودي محكومة بعوامل محليّة وتحديداً بعلاقة الدولة بذلك المجتمع وقدرتها على استيعابه ضمن أطرها ومؤسساتها السياسية والدينية والاقتصادية والإعلامية والوظيفية وغيرها. وفي ظل الاستمرار في سياسة التمييز على أسس مذهبية، فإن الخارج الشيعي سواء أكان في إيران أم في العراق أم في لبنان والبحرين سيلعب دوراً في بلورة الشخصية الشيعية السعودية سيكولوجياً وسياسياً ودينياً، فحين يغيب التأطير المحلّي ضمن البوتقة الوطنية، تتوجه الأنظار إلى الخارج استجلاباً للمعنويات والأفكار والمواقف تعويضاً عن النقص وتعبيراً عن المعاناة الإنسانية التي لم تجد لها حلاً في محيطها الطبيعي.في موضوع العلاقات السياسية المحضة بين الشيعة والخارج، ينبغي التأكيد أن الشيعة كغيرهم من الكتل البشرية في هذا العالم يتأثرون بما يجري حولهم ويجري عليهم كبقية المواطنين السعوديين. ونظراً لتوتّر علاقتهم بالسلطة أصبحت مناطق الشيعة أرضاً خصبة لكل الأفكار والتوجهات السياسية من شيوعية وبعثية وقومية ناصرية وإسلامية أيضاً، وقد كان الشيعة عصب معظم التنظيمات السياسية -غير الدينية- التي نشأت في المملكة مثل الحزب الشيوعي السعودي واتحاد شعب الجزيرة وحزب البعث العربي الاشتراكي وحزب العمل الاشتراكي وغيرها. هذه الأحزاب شكّلت مخارج طوارئ للتنفيس عن حالة الاحتقان الداخلي أملاً في تغيير سياسي داخلي راديكالي أو سلمي يفضي إلى مساواتهم ببقية السكان وفتح الآفاق أمام التعبير عن الهوية الثقافية الذاتية ضمن الإطار الوطني الجمعي لمجتمع المملكة العربية السعودية.شيعة السعودية وقوس الرفضولكن الصورة التي يحاول رسمها التيار الراديكالي الديني السلفي تختلف عن هذه، فهو يرى أن الشيعة في مواقعهم ولقربهم من حقول النفط التي استضافت موجات هائلة من العمالة الأجنبية وبالخصوص الأميركية رتبوا علاقات «تآمر» خاصة مع الأميركيين بغرض فصل المنطقة الشرقية عن المملكة والاستحواذ على خيراتها. كما تحدثت أدبياتهم عما سمّي بـ«القوس الرافضي» الممتد من أفغانستان حتى لبنان مروراً بإيران والعراق وتركيا وسوريا بما يشمل شيعة المملكة ودول الخليج أيضاً.لقد اتخذت الصورة العامة لدى ذلك التيار تجاه المواطنين الشيعة صفة التوجّس والحذر والخشية والاتهام والريبة من الحركة السياسية المعارضة في المنطقة الشرقية، ولم ينظر إليها إلا كحلقة ضمن صراع كوني يقسم العالم إلى مسلمين وكفار حيث ينضوي الشيعة ضمن هذه الخانة الأخيرة.وقد طفحت هذه الرؤية أكثر بعد أن تكاثر الحديث عن موضوع «تقسيم المملكة» في الإعلام الخارجي الغربي، وتكوين دولة شيعية في الشرق وأخرى حجازية في الغرب، وثالثة في نجد. فما هي حقيقة العلاقات السياسية للقوى الشيعية بالخارج، وإلى أي حدّ هي تشكل خروجاً عن المألوف بالنسبة لأي حركات ومنظمات سياسية عاملة على الساحة العربية؟نظراً لضيق هامش الحرية في داخل المملكة، وتقلّص سقف مخاطبة السلطات السياسية لحلّ مشكلة العلاقة بين الطرفين، تشكّلت الحركات الداخلية السياسية وانطلق بعضها للخارج للقيام بحملة إعلامية وسياسية ضد نظام الحكم، أثّرت بصورة ما في سلوكه الداخلي بقدر قليل، خاصة فيما يتعلق بمعاملة السجناء السياسيين الشيعة.لقد أقام الناشطون السياسيون الشيعة علاقات واسعة في الخارج في محيط العالم العربي، وكذلك في المحيط الغربي، وكانت لهم مراكز نشاط في كل من لندن وواشنطن، تواصلت من خلالها مع الفاعليات الإعلامية والصحفية والسياسية ومنظمات حقوق الإنسان ومراكز الأبحاث وأعضاء في البرلمانات وغير ذلك. كما أقام الناشطون الشيعة علاقات طيبة مع عدد من الحركات السياسية والحزبية في العالم العربي، في اليمن ولبنان والعراق ودول الخليج لحشد الدعم من أجل التغيير السياسي السلمي الداخلي.العلاقة مع الدولأما العلاقة مع الدول فقد كان هناك تحفظ عليها من قبل التيار الشيعي السياسي الأقوى والذي كان ممثلاً في «الحركة الإصلاحية» وانحصرت العلاقات مع بعض الدول التي يقيمون فيها في حدود ضيقة تكفل هامشاً من الحركة لأعضائها دون التورّط في مشاريع الأنظمة والدول ذات الأهداف الكبرى. ربما كان هذا النشاط السياسي المتزن واحداً من الأسباب الرئيسية التي دفعت بالملك فهد في صيف عام 1993 إلى محاولة إعادة حلحلة الموضوع الشيعي في إطاره الداخلي بعد أن أصبح فاقعاً مؤذياً في الخارج، وفعلاً جرى الحوار الرسمي الذي أدّى إلى عودة المئات من المعارضين من الخارج إلى الداخل بعد اللقاء المباشر مع الملك فهد وتقديمه وعداً جازماً بإنهاء سياسة التمييز الطائفي. لكنّ أطرافاً في الحكم، وبالخصوص وزارة الداخلية ممثلة في وزيرها، وكذلك الأمير محمد بن فهد، عارضا الاتفاق من الناحية العملية، وإن أرغموا على القبول به آنياً. ومن الناحية الفعلية تمّ تعطيل كل الوعود والمشاريع المتعلقة بإصلاح وضع المواطنين الشيعة ودمجهم ضمن النسيج العام، وجاء مرض الملك فهد ليقلب الموضوع رأساً على عقب، ولتعود الأمور إلى وضعها السابق، وكذلك عودة بعض المعارضين إلى مواقعهم في الخارج والبدء بالعمل من جديد ولكن وفق رؤية مختلفة تشير إلى حقيقة أن إصلاح وضع المواطنين الشيعة لا يمكن الوصول إليه باتفاقات منفردة بقدر ما يتطلب الوضع إصلاحاً سياسياً عاماً يكون المواطنون الشيعة جزءاً منه.وحين أثيرت موضوعة تقسيم المملكة، ركّز المواطنون الشيعة على موضوع الإصلاح السياسي والبقاء ضمن البوتقة الوطنية رغم الإغراءات الكثيرة التي حاولت بعض الجهات الأميركية الدخول من خلالها لتفتيت الوضع المحلي. ومع استبعاد موضوع التقسيم حصرت الفعاليات الشيعية نشاطها مع القوى الوطنية الأخرى وساهمت في مشروع رؤية الإصلاح الوطني التي رفعت إلى الأمير عبد الله ولي العهد. لكن إذا ما تعثرت خطوات الإصلاح فإن المملكة قد تنحدر باتجاه التقسيم الفعلي، وهناك أصوات وإن كانت قليلة بين الشيعة والحجازيين تدعو إليه، وقد يتزايد عددهم في المستقبل مع الفشل السياسي المتوقع ضمن الحسابات الحالية، وحينها ستنعكس الأهداف المستجدة على طبيعة العلاقات مع القوى الخارجية الدولية التي بيدها التأثير، وهذا ما يخشى منه حقاً.أما في الظروف الحالية فإن ما يقال عن تآمر شيعي مع أطراف خارجية ليس له صحّة بتاتاً. وكل النشاط السياسي الشيعي الموجه في الخارج لم يخرج عن أطر الدفع باتجاه الإصلاح السياسي الداخلي السلمي.
تم ارسال رسالتك بنجاح