مناهج التعليم الديني في السعودية.. المسألة الشيعية
المقدمة:
تبدأ قصة المشكلة التعليمية منذ اليوم الأول لترسيم سياسة التعليم بالمملكة حيث أخذت على عاتقها أن تعكس التصور الديني الرسمي الذي تتبناه سلطة الدولة باعتباره النموذج الوحيد والشرعي القابل للتعليم فيما تعتبر بقية المدارس العقدية والفقهية مرفوضة وغير معترف بها رسمياً.
ولم يشفع لها دخول مناطق وشعوب المملكة المختلفة تحت مظلة الدولة والتزامها بحكم الأسرة السعودية كي تنال شرعية الاعتراف بتراثها الديني وبحقها في المشاركة في كل مؤسسات الدولة بما فيها الدينية.
المسألة لا تقف عند حد التعليم الفقهي العبادي الذي يتصل بحاجات الفروض العبادية المعروفة بل تمتد لتشمل وضع تصور لمكانة الإنسان وقيمته وبالتالي حقوقه ومدى ما يسمح له بممارستها مع حفظ كرامته، أو منعه من حقوقه وانتهاك هذه الكرامة.
لقد أصبح التصور الديني الرسمي الذي تتبناه الدولة مصدر تحديد القيمة للإنسان والسبب يعود إلى:
1. ما تحمله من خصوصية النظرة الدينية السلفية التي تتبناها المؤسسة الدينية الرسمية.
2. غياب تصور آخر يسمح له بالوجود ليغذي عقلية المواطن والمسؤول.
ساهم السببان المذكوران في ترسيخ فكرة النظرة الواحدة التي تمثل الحقيقة المطلقة التي تنفي ما عداها وبدأت تمارس سلطتها كرقيب خارجي يفرض مكانته على الآخرين عبر الاستعانة بسلطة الدولة وأجهزتها الحكومية والأمنية. في ضمن هذا المخاض التاريخي والرسمي يمكن وصف المشكلة والمأزق الذي وضع فيه المواطنون سنة وشيعة، أو شيعة فقط كما سنتناوله بالتفصيل، مما أحدث دوما حالة من التوتر الطائفي والمذهبي غير المبرر بين أبناء الوطن الواحد. ولكي نبرهن على صحة ما ذكرناه لابد لنا من أخذ جولة توضيحية مستعرضين أهم المشكلات التي يتعرض لها الشيعة داخل مؤسسة التعليم ومناهج الدين الرسمية التي تنتمي إلى المدرسة السلفية الحنبلية الممتدة عبر تراث ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب باعتبارهما شخصيتين مرجعيتين في تحديد التصور الديني المنعكس في مناهجنا والذي تتبناه المدرسة الدينية الرسمية في السعودية وتفسح له المجال لكي يمارس بحرية تطبيق الأفكار التي تنتسب لهذه المدرسة. على أن صورة المشكلة لا تكتمل دون فهم بعض الممارسات وأبعاد الفهم والتأثير وردود الفعل الديني والاجتماعي تجاه الوضع المعاش مع مناهج التعليم الديني. وهنا لا بد من التعرض إلى بعض خصوصيات المشكلة كما هي ممتدة في الواقع الاجتماعي وفي مستوى التفكير المعرفي.
المعلمون:
منذ بداية العام الدراسي الجديد تقف المدارس السعودية في المناطق الشيعية في كل من القطيف والأحساء والمدينة المنورة ومناطق أخرى أمام ظاهرة المعلم الديني السني الذي يدرس مواد العلوم الدينية في الصفوف العليا باعتباره متفردا بهذا المنهج ولا يمكن لغيره أن يشاركه فيه. فانتسابه للمذهب السلفي وتخرجه من جامعة دينية تؤهله فقط دون غيره لممارسة التعليم الديني. وعلى عكس بقية المناهج الدراسية حيث يتعدد المعلمون فيها ولا تأخذ مسألة انتمائه لأي مذهب أي حساسية طالما تمتع بكفاءة التدريس نجد أن التعليم الديني قد يحول المسألة إلى أزمة عندما تطرح فكرة أن يدرس معلم شيعي منهجا دينيا حتى عندما يتواجد عجز في عدد المعلمين. إننا نواجه منذ اليوم الدراسي الأول بأن طبقة ما تحتكر هذا النوع من التعليم دون غيرها والسبب كله يعود إلى المفاضلة المذهبية التي ترفض لغير من هو على مذهب السلف أن يمارس التعليم الديني. هذا فضلا عن المشاعر السلبية التي يحملها الكثير من معلمي التربية الإسلامية تجاه الطلاب بسبب اختلاف المذهب واستمرار تغذية أتباع المذهب السلفي بمشاعر سلبية ضد الشيعة عبر فتاوى علماء المدرسة السلفية التي تتصل بإسلام الشيعة وذبائحهم ومعاشرتهم وحقوقهم الوطنية ومشاركتهم في الثروة الاقتصادية والمراتب الوظيفية والتي تتحول إلى مشكلات قابلة للانفجار في أي لحظة إذا ما مس أحد الطرفين معتقدات وحقوق الطرف الآخر في العيش بكرامة وأمان.
الصدمة المذهبية:
يُخلِف هذا الوضع مشكلة حساسة وهي تعليم الطلاب منذ أول يوم الافتراقات المذهبية بينهم وبين مذهب السلف فيفهمون أنهم شيعة وأن معلميهم سنة والسبب يعود إلى الفصل الحاد في مناهج التعليم ونوعية المعلمين الذين يمارسون معهم هذا النوع من التعليم فيدرك الطالب بسبب انتمائه إلى ثقافة مذهبية أخرى وإلى مرجعية اجتماعية أخرى أن هناك سنة وشيعة وأن ما يدرسه لا يمثل ما عليه أن يفعله وأن ما يدرسه إياه معلم الدين هو للنجاح فقط، وهي معادلة بات يقبلها الكل بعد أن امتدت أنواع الصراع المذهبي المختزن في التاريخ وبطون الكتب إلى داخل المدارس من خلال معلمي الدين مما سمح بوضع معادلة غير تربوية تقبل بتثبيت الواقع مع تجريده من قيمته التربوية. وسوف نرى أن هذه المشكلة تمتد في كل صفوف السنوات الدراسية عبر القبول بفكرة شكلية مفادها أن يبقى المنهج محتكرا كوظيفة ومهنة على طائفة ويمارس شكلية صورية وسطحية غير مؤثرة على الطلاب ولا يسمح له أن يكون تربويا فاعلا بمشاركة الآخرين فيه. لقد قام على إثر هذا الاحتكار وكرد فعل من قبل بعض المشايخ أن أنجز برنامج عمل تم بموجبه تصميم مناهج دينية وفق عقيدة ومذهب أهل البيت لتكون بديلا تعليميا وتربويا يشمل مختلف مراحل الدراسة وصفوفها إلا أن وجودها وتفعيلها اقتصر على خارج المدرسة عبر الدروس الدينية التي يلقيها جيل المشيخة على المتتلمذين على أيديهم. عموما سوف نجد أن هذه الصدمة تنعكس على شكل حالة من التباعد والتنافر الذي لم تعرفه المنطقة من قبل حيث تعايش المذهبان سلميا وامتد التباعد لينخر في عضد الحياة المشتركة التي بنيت بمشاركتهما كما سوف نجدها تتحكم في بعض العقليات الأكاديمية في جامعات المملكة حيث تعتبر مرجعية المذهب السلفي مرجعية للتفكير المذهبي وللعقاب الذي يمكن ممارسته ضد الشيعة فقط لأجل كونهم شيعة ،وسوف نجد أن دكتورا جامعيا يفكر بنفس النظرة ويرتب عليها طريقة قبوله ورفضه لطلاب الشيعة وبالتالي نجاحهم أو رسوبهم دراسيا. ويتناقل الآباء والأبناء قصصا كثيرة لمشاهد من التعصب الديني التي مارسها أكاديميون جامعيون ضد الطلاب الشيعة وانتهت بإعطائهم درجات منخفضة أو رسوبهم في مواد الدراسة. لقد أعطت هذه الصدمة التي تستمر دراسياً على كل طالب لما يقارب من 12 سنة نموذجا مكررا وواحدا سوف يلقي بظلاله على نشاط العلاقات الاجتماعية بين أتباع المذهبين، ولم تحسم نتيجته لصالح أحد وبالأخص لصالح المذهب السلفي الذي يزداد الرفض له ثقافيا وشعبيا بعد الاطلاع على ما فيه بحسب ما تقدمه المناهج الدراسية.
واحدية الرأي:
من أسباب هذه المشكلة المتفاقمة هو اعتماد المناهج الدينية على الرأي الواحد لمدرسة واحدة وتغييب المدارس الأخرى السنية والشيعية كان لا وجود لها إلا في مواضع التهم والتبديع والتكفير فالآخر مرفوض لأنه مشرك أو مبتدع أو كافر أو منافق أو عاصي أو فاسق أو مختلف، وعندما يصلون إلى الشيعة فإن كل هذه الأوصاف يطبقونها عليهم دون أدنى تمييز وبأقسى ما يمكن عبر استخدام لأجهزة الدولة وتوظفها طائفيا ومذهبيا إلى أن وصل الحال بسلفي أن يشن حملة لمنع طلاب الشيعة في مدارسهم من الصلاة بإمامة معلم شيعي، وذلك بتبرير أن من يق يُقِيم صلاة الجماعة أو يأمهم يجب أن يكون معلما سنيا ( أي معلم التربية الإسلامية السلفي الاعتقاد). وعلى سبيل المثال لا الحصر قام أحد مراكز الإشراف التربوي بالمنطقة الشرقية (مركز الإشراف التربوي بصفوى) بعد إثارة من قبل أحد مشرفي التربية الإسلامية بإصدار تعميم برقم (538) في تاريخ 13/9/1423هـ (مرفق صورة منه) يأمر فيه مدارس قطاع صفوى ( يقدر عددها 114 مدرسة تقريبا حيث يشكل هذا العدد ما يقارب 85% من الشيعة ينتشرون في المدن والقرى) بوجوب عدم أداء صلاة الجماعة إلا بإمامة معلم التربية الإسلامية . أي منعت إمامة المعلم الشيعي للطلاب الشيعة وهي فرصة ثمينة لتدريب أبناءنا على الصلاة والالتزام بها تهدر بسبب المسألة المذهبية .
كما انعكست واحدية الرأي على قواعد تنظيم السلوك والمواظبة لطلاب مراحل التعليم العام الصادرة عام 1423/1424هـ باعتبار هذه القوانين تُعيِّر السلوك حيث نصت في مخالفة (الدرجة الخامسة) وهي أقصى درجات المخالفة التي يتم الرفع عنها لإدارة التعليم على اعتبار طلاب المذاهب الأخرى الذين لم يتم تعيينهم بصراحة باعتبارهم مذاهب هدامة تستوجب أقصى درجات المخالفة والعقاب.جاء في البند الأول من مخالفات الدرجة الخامسة ( الاستهانة بشيء من شعائر الإسلام أو اعتناق المذاهب الهدامة ). فما هي هذه المذاهب الهدامة؟ هذه ما سوف نجدها في مناهج الدين الدراسية. إن مثل هذه التصرفات والإجراءات لم تتم لولا وجود قاعدة عقائدية سلفية في التعليم العام ونُظمه يرتكز عليها لإضفاء الشرعية العقائدية عليها لتكون منطلقا أحاديا للتفكير ولصياغة النظام التعليمي في مختلف أبعاده. يصاحب هذه الواحدية في الرأي دائماً جهل بما عند الطرف الآخر من أدلة ومن تصورات واعتقادات، مع وجود اتجاه إكراهي لتعريف تصرفاته وعباداته على نمط تفكيري واحد متوارث لدى السلفيين لا يعترف بما تنطوي عليه في اعتقادك كما تقدمه أنت بل كما يتصوره السلفي هو ويؤمن به عبر جرّ للحقيقة للتوافق بحسب ما يعتقده. فالأوصاف التي تطلق يراد بها النقض والهدم ولا يمكنها أن تستوعب الفكرة الإيمانية إلا ضمن إطار المذهب السلفي بحسب تعريفات ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب.
تغييب مدرسة أهل البيت:
وتظهر امتدادات التوحد المذهبي في تغييب فكر أهل البيت ودورهم في الحياة الدينية للمسلمين فلا تجد لهم ذكرا إلا لمما، ولا تجد تصويرا لدورهم في نشر التعاليم الإسلامية وحماية الدين من الأخطار، وتختفي نصوص النقل عنهم فلا تجد لهم نصا ولا عبارة أو دعاء أو رأياً أو تاريخاً كانهم لم يكونوا موجودين يوما ما ولم يكن العلم يتدفق من تحت أصابعهم ولم يوصفوا بالعلم وكثرته كما أشاد لهم المترجمين من علماء السنة. هذا التغييب يشمل أسماءهم كما يشمل مبادئهم ، تلك الأسماء التي هي بطبعها محايدة تختفي في حين تجد إشادات بأسماء وآراء من الصحابة والتابعين والعلماء الذين كانوا متواجدين في زمنهم ممن لم يكونوا أكثر منهم علما ودورا في تشييد بناء الدين ونشر التعاليم الإسلامية.
صراع المذاهب:
لقد تحول التعليم الديني في المدارس إلى مشاهد صراع مذهبي تتم داخل المدرسة وتتكامل خارجها ضمن حالة الدفاع عن المواقع العقائدية، وأصبح التوتر الناجم عن التصور السلفي السلبي للطائفة الشيعية ومذهب أهل البيت وبقية المسلمين مادة خصبة لأئمة المساجد وقراء الحسينيات، وفي بعض النوبات عندما ترتفع عقيرة الخلافات المذهبية أو تمارس حالات توتر داخل المدارس يتم تحشيد الأطراف للوقوف ضد هذه الهجمات مما أفقد تعليمنا الديني دوره التربوي المأمول إسلامياً.
دوائر إدارية مغلقة:
هذا الصراع فتح الفرصة للمتصيدين ومستغلي الفرص لكي يحولوا التعليم والتربية إلى نمط مشابه لنمط التفكير المذهبي والقبائلي والطائفي عبر استغلال أجهزة الدولة التربوية ليقوموا بإغلاق الدوائر على الشيعة للعمل في وظائف ذات طابع تربوي رغم ما يتمتعون به من كفاءة ومشاركة في إنجاز كثير من أعمال إدارة التعليم التربوية وأنشطتها المختلفة فمركز الإشراف التربوي بالقطيف لا يوجد فيه إلا مشرفا قطيفيا واحدا من أصل 48 مشرفاً كانوا يزدادون يوما بعد آخر وسنة بعد أخرى مع إهمال متعمد لتقديم الفرصة للشيعة فقط لكونهم شيعة وحدث أن ترك منصب مشرف تربوي مهملا لفترة من الزمن حينما تقدم مدير مدرسة شيعي ومدير مدرسة سني ففشل السني ونجح الشيعي ثم بعد فترة زمنية رشح المدير السني بحجة الحاجة إليه. ولقد ابتدعوا نظاما مغلقا للترشيح يتم بموجبه الترشيح السري فلا يمكن لك أن تتقدم للإشراف التربوي بل لا بد أن يتم ترشيحك سريا عبر مشرف مما جعل كل مشرف يشير إلى من هو من مذهبه وقبيلته فوصلت النتيجة إلى ما هي عليه فرغم وجود مركزين كبيرين للإشراف التربوي في المناطق الشيعية (القطيف وصفوى) لا تجد إلا مشرفا واحدا كان قد عين من زمن بعيد. هذه الحالة تمتد لإدارة التعليم نفسها حيث رؤساء الإدارات يختارون من المذهب السني السلفي فيما لا تجد مسؤولا إداريا من أبناء الشيعة رغم مشاركتهم الكبيرة في أنشطة ومهام إدارة التعليم. إن المؤسسة التي كان من واجبها أن تمارس التربية وتحافظ على قيم الوطن والوحدة وتدعم العلاقات الاجتماعية الطيبة التي كونها المدراء سنة وشيعة بينهم باتت هي تمارس عكس ذلك غير عائبة بدورها وبأهداف التعليم التي رسمتها سياسة التعليم في المملكة.
وطن ممزق:
نتج عن هذه المشاهد والممارسات الدينية التي تتم عبر استخدامات المناهج أن أصبح الوطن أشبه بالممزق فالوطن لا يمكن تعريفه إلا ضمن ثنائيات وثلاثيات ورباعيات ... فالوطن ليس وطنا واحدا بل أوطان ومناطق والشعور بالعيش المشترك ليس عميقا، وإدراك الأخطار التي تتعرض لها الدولة لا يتم الإحساس بها بنفس المستوى والدرجة. إن تعليمنا الديني منذ اليوم الأول يكرس مثل هذه الممارسات ويشجع على الكراهية ولا يشجع الوحدة والتعارف ودرء الأخطار عن الدولة والمواطنين.
أنت تدرس بوصفك سيئ:
ينجر الأمر سوءا على نفسية الطلاب وهم يستمعون ويدرسون ويختبرون على أنهم مبتدعون ومشركون وكفار. فالشاب الذي يفتح عينه على الحياة يفاجأ أن وصفاً يسبقه يقول له أنت لست مسلما نقي الإسلام وعليك أن تدرس هكذا وأن تختبر لكي تنجح وعندما يأتي سؤال يتعرض لمذهبك واعتقادك وممارساتك عليك أن تصفها جميعا بأقسى العبارات كما هي في المنهج لكي تحصل على أعلى درجة. ولننظر إلى هذه المفارقة العجيبة كيف تدرس أنك مشرك وكافر وتجيب على الأسئلة بدون احترام لأي حق من حقوقك.
اختفاء الإخاء:
ضمن هذه الحالة ضعفت حالة التآخي بين أبناء الوطن وأصبح بعضهم ينظر لبعض على أنهم أعداء ألداء للأبد، وبات من يدرس خارج منطقته الجغرافية معرض لأنواع وصنوف الاتهامات من قبل أطقم المعلمين والطلاب، فالطالب السني يعبأ منذ اليوم الأول ضد الآخرين وينظر لهم نظرة رفض ويصفهم كما يصفهم المنهج. فكيف لهذا الطالب الذي لم يتكامل إدراكه العقلي والمعرفي أن يميز بين الحقائق وهو يواجه مثل هذه التعبئة القاسية؟ ولا يختلف الأمر بالنسبة لممارسة المعلمين الذين يتعمدون وصف الطالب بأقسى العبارات دون مراعاة لكيان الطفل النفسي. لقد انتشرت صفة الكراهية بين أبناء المذهبين بسبب ممارسات التعليم ومشحذاتها من فتاوى وبيانات يمارسها رجالات المذهب السلفي.
إشغال الطلاب بقضايا لا تمس حياتهم:
وبالنتيجة أصبحت القضايا التي تمس احتياجات الطلاب أقل حضورا فيما جاءت القضايا التي لا تقدم له إحساسا جميلا بالحياة وقيمة الإنسان وفلسفة الطاعة والحب الإلهي وإعمار الأرض وتهذيب النفوس، هذه الموضوعات وغيرها لا تأخذ نصيبها، بينما تأخذ ممارسات ومفاهيم التفرقة والتباغض شحذاً ذهنيا من خلال ملأ الطلاب بمصطلحات البدع والشركيات والكفر، مما ساعد على نمو طالب غير سليم، يتم إشغاله بقضايا لم يصل بعد فيها إلى مرحلة القدرة على مناقشتها وفهمها بعقلانية الباحث الحر الذي يبحث عن الحقيقة.
تعميم المشكلة المذهبية:
نتج عن ممارسات المنهج الديني تعميم للمشكلة المذهبية في مختلف مؤسسات الدولة فالسني المذهب ينظر إلى أخيه الشيعي باستعلاء ويمكنه أن يمارس عليه كل أنواع الاضطهاد ولا يشعر بأدنى خطر أو لوم وبإمكان رئيس دائرة أن يعطي العاملين المخلصين من الشيعة تقديرات منخفضة لكي يمنعهم من الترقي والحصول على مكافاءة سنوية مجدية مع اعتماده عليهم في أغلب الأعمال وثقته بهم دون أن يشعر بأي غضاضة ويعطي في نفس الوقت من يحسبه على مذهبه أعلى التقديرات ليترقى وظيفيا ولتجده وهو قليل الخبرة والكفاءة بعد فترة وجيزة رئيسا على طاقم من الكفاءات العالية. وتجدها قد انتقلت إلى كليات الطب المختلفة التي نعاني من نقص وعجز كبيرين فيها فلا يقبل الطالب لأجل شيعيته، وتمارس عليه نفس الأساليب في شركات سابك وشركة أرامكو السعودية وشركات الكهرباء والهاتف، وقطاع العسكرية. هذا مع علم الجميع واعتراف المسؤولين بكفاءة العناصر الشيعية ولعبها دورا واضحا في قوة عمل إدارات الدولة. كما انعكس الوضع التمييزي على دوائر الدولة المناطقية فلا تجد مدير إدارة من أبناء الشيعة وعندما يريد أن يلتحق بعضهم بالجامعة كمعيد يجد أمامه كماً من المخاوف بسبب تدخل العنصر الطائفي والمذهبي.
الحل : مناهج دينية جديدة:
في ضمن هذا الوضع لا يمكن حل المشكلة من دون الاعتراف بحق الآخرين في أن يُدَّرِسوا عقيدتهم وفقههم وفق مذهبهم، وأن يتم ذلك على أيدي معلمين ينتمون لنفس المذهب والمدرسة الفقهية. إن هذا الحق مما كفله الدين والعقل والمنطق ومواثيق حقوق الإنسان العالمية فلكل أصحاب مذهب أتباع ومعلمين يرجعون إليهم في مسائلهم. ونحن إذا أردنا تعليما تربويا لا بد لنا أن نعترف بحق الآخرين كما نعترف بحقنا إلا إذا جعلنا معيار القوة والسيطرة وفرض الآراء هي أساس المفاضلة، وهو منطق غريب على روح الدين الذي يدعو للعدالة وبسط الحقوق بين المسلمين على حد سواء ولقد قال تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم). إن شرطنا الوحيد لكل أتباع مذهب وهم يدَّرِسون أبناءهم وفق مذهبهم أن لا يسيؤا للآخرين المختلفين عنهم، وأن يعملوا على التعريف بأهم الآراء الدينية للمذاهب الأخرى دون تزييف، هذا إذا ارتأينا صحة التدريس وفق هذه الطريقة، وان نركز على المشترك دون زج الطلاب في خلافات مذهبية ليسوا مسئولين عنها ولم يبتدعوها وغير ملزمين بها.
مناهج الدين في مدارس البنات:
بنفس النظرة وبنفس التكرار نعتقد أن مشكلات المناهج الدينية إن لم تكن متساوية في شقيها عند البنين والبنات فإنها أكثر ازديادا وقسوة في جانب المدارس التي كانت ولقبل فترة قليلة تحت سلطة الرئاسة العامة لتعليم البنات ، بل إن هناك من الأسباب الوجيهة التي تؤكد اشتداد الحالة المذهبية في مدارس البنات أكثر منها في مدارس البنين. وكثيرا ما كانت هذه المدارس ترعى الحالات الطائفية والمذهبية بسبب عدم وجود مديرات مدارس ومساعدات من نساء الشيعة، ودعم المؤسسة الدينية للرئاسة لها حيث كانت خاضعة لهم. ووصل حد الممارسة فيها أن تتقدم الأقل خبرة وكفاءة ومدة تدريس بسبب مذهبها السلفي على الأكثر خبرة وكفاءة ومدة تدريس من معلمات الشيعة، وأن يشهر صراحة بكفر الشيعة في مناهج الدين والتاريخ، مع سعي حثيث لأن لا تكون معلمات التاريخ من نساء الشيعة كما الدين؟!، وأن توزع بين وقت وآخر أشرطة تحريضية ضد الشيعة لتدريسها للطالبات.
منهج التوحيد:
من بين أكثر المناهج إثارة وتسبيبا للمشكلات وتوتيرا للعلاقات وحملا للتصورات السلبية ما يتضمنه منهج التوحيد في مختلف المراحل والصفوف. فمنهج التوحيد الذي أساسه توحيد الله عز وجل يمتلئ بما هو خارج عن مادته حتى يكاد يتضاءل، فيما يمتلئ به مما هو ضد الآخرين فيتناولهم في ممارساتهم واعتقاداتهم ولا يدع فريقا من المسلمين في مختلف الأقطار إلا ووصفه بأحد أوصاف التبديع أو الشرك أو الكفر فلم يبقى مسلم نقي الإسلام إلا في المذهب السلفي وحتى أتباع هذا المذهب يجدون أن توصيفهم بمثل هذه الصفات قابل وسريع والسبب يعود إلى أن هذا المنهج قد توسع خارج إطاره وحدوده إلى التدخل في الطبائع البشرية فحكم عليها منذ البدء أحكاما قاسية فمن راجع مناهج التوحيد سيجدها كيف تتدخل في النوايا والكلام والصدق والكذب والدنيا وحب المال والجاه والرجاء والخوف وحب الناس وبغضهم وآمالهم وأحلامهم وأمانيهم. ومع أن بحث مثل هذه الموضوعات حقه أن يندرج ضمن دائرة الأخلاق ليتربى أبناءنا على الفضائل نجدها تبحث في دائرة العقائد وهذا منهج خاطئ لأن البشر يعيشون حالات وجدانية متقلبة وهم يتكاملون من خلال المرور بتجارب صحيحة وخاطئة وتوصيف هذه التجارب الأخلاقية منذ البداية بكونها شركا أصغر أو رياء أو نفاقا هو توصيف خطر للغاية على نفسية طلاب صغار ما زالوا يتعرفون على الحياة التي تحيط بهم ويطلبون إجابات عن أسئلة تثير قلقهم.
منهج جديد أو استمرار المشكلة:
وإذا نحن تجولنا في مناهج الدين وبالأخص التوحيد منها نجد أننا بحاجة في الواقع لمنهج جديد لأن ثنايا الموضوعات المندرجة تصرخ بالتكفير والتبديع والتشريك والكفريات بأنواعها حتى لكانها تحيل الدين إلى منهج للتكفير والتباغض وعدم الرغبة في فهم الآخرين ويتم نسيان دين الرحمة والتسامح والمحبة.
وإذا جئنا نتأمل في أساسيات تصنيف أي منهج ديني جديد فينبغي لنا أن نراعي ما يلي:
1. أن يركز على التربية الإسلامية الأساسية من بناء النظام الكوني على الخالقية والتوحيد والنبوة والمعاد وعدالة الله وكرامة الإنسان وتطبيقها تطبيقاً صحيحاً في حياة الطالب بحيث يشعر بأن إيمانه بمثل هذه المبادئ يدعوه للتخلق بها والتحلي بصفات الخلق الكريم وحب الخير والإنسانية والعطاء والعمل.
2. الاهتمام بالتربية الأخلاقية وفضائلها ورذائلها وبيان التطبيقات العملية لها في الحياة الشخصية والاجتماعية بعيدا عن سوء الظن بالناس واتهامهم بأصناف الاتهامات.
3. مكانة الإنسان في التشريعات الدينية وحقوق الإنسانية الأساسية.
4. مكانة المسلمين وخيريتهم وواجبات هذه الخيرية تجاه بعضهم وتجاه غيرهم مبتعدين عن التوصيف لهم بما يسئ.
5. دراسة آداب الحوار والمناظرة وحقوق الباحث.
6. تعريفهم بقيمة العقل والتفكير والبحث العلمي في الإسلام.
7. أن يتضمن بيانا لقيمة العمل ومكانته وعلاقته بخيرية العمل .
8. أن يمتلئ بجماليات الكلمة الطيبة والدعوة بالتي هي أحسن وتعليم مناهج الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن.
9. احترام الخصوصيات والتركيز على قيمة المشتركات بين أمة المسلمين وعدم إشغال الطلاب بالمختلف، وترك أمثال هذه الموضوعات لهم عندما يحتكون بالحياة ويتعاملون مع ألوان الثقافة والفكر.
10. احترام قيمة الدليل والبرهان، والتسامح مع المختلفين إذا كانوا يملكون أدلة أخرى.
11. التركيز على إشاعة ثقافة السلم ، والسلم الاجتماعي ومكانته في نمو المجتمعات.
12. دراسة الشروط التاريخية والموضوعية لنشوء الحضارات ودور الأجيال في تكوينها.
13. أهمية القانون وتطبيقاته في الحياة.
14. وموضوعات أخرى ذات مسيس بالطالب وتناسب مستوى إدراكه ومرحلته العمرية.
وقفات مع منهج التوحيد:
سوف نستعرض الآن بالتفصيل محتويات منهج التوحيد مركزين على النقاط التي تمس شيعة مذهب أهل البيت مع تأكيدنا أن المنهج مليء أيضاً بما يسيء للسنة المسلمين في مختلف الأقطار الإسلامية بما فيهم سنة المملكة ومواطنيها جميعاً.
المرحلة الثانوية:
أولا: توحيد الصف الأول (طبعة 1424 ـ 2003):
1. الفصل الثاني: (مصادر العقيدة ومنهج السلف الصالح): تحدث عن الفرقة الناجية وخصها بأهل الجماعة فيما بقية الفرق في النار ص 9. وسوف يتكرر هذا الحديث والتركيز على دلالته بحصره في فرقة الجماعة في أغلب مناهج التوحيد، وفي كتاب التفسير للصف الثاني ثانوي ص84 . ولنتصور وقع هذا الحديث على نفسية الطالب الذي سينتفي أمامه إمكانية قبول الآخرين على نفس مستوى إسلامه وإيمانه بالله فينظر لهم نظرة دونية.
2. الفصل الثالث: (الانحراف عن العقيدة وسبل التوقي منه). تحدث عن (الغلو في الأولياء والصالحين ورفعهم فوق منزلتهم بحيث يعتقد فيهم ما لا يقدر عليه إلا الله من جلب النفع ودفع الضر واتخاذ وسائط بين الله وبين خلقه حتى يؤول الأمر إلى عبادتهم من دون الله والتقرب إلى أضرحتهم بالذبائح والنذور والدعاء والاستغاثة وطلب المدد) ص12.وسوف نجد أن هذا الخلط يتكرر في مناهج التوحيد ويملأ ذهنية الطالب بتصورات لا وجود لها على أرض الواقع فيربط بين أشياء لا ربط بينها ويصور لطالب المملكة أن غيره من المسلمين الموجودين في مختلف بقاع العالم ممتلئون بالشرك ويعبدون غير الله. فهل يوجد مسلم يعبد غير الله أو يعبد قبرا أو يعتقد أن هناك مضرا أو نافعا أو معطاء غير الله. إن الطالب يقع ضحية هذا الخلط وترتيب النتائج على بعضها التي هي ترتيبات غير منطقية وغير ضرورية، فضلا عن أن هذه المعلومات تعاني من مشكلة في نفس موضوعات الاستدلال لعدم صحتها في نفسها فكيف بنتائجها.
3. الفصل الرابع: (نماذج من جهود المصلحين في الدفاع عن العقيدة الصحيحة) ص 15. وهو فصل مخصص لمناقشة أفكار واعتقادات بعضها بائد ولا يحتاج له الطالب فيما الآخر يصب ضد الشيعة الذي سماهم روافض وضد المعتزلة والصوفية ولم يترك الجزيرة العربية حتى وصفها في العصور المتأخرة بأنها استحكمت فيها البدع والشركيات وانتشرت فيها الطرق الصوفية وتعظيم القبور والعادات الجاهلية. فهل يعقل أن يدرس الطالب أن أجداده كانوا مشركين ؟! أو أن بقية علماء المذاهب الأخرى هم من المشركين؟!.إذا كنا سنعلم طلابنا مثل هذه المعلومات على أنها حقائق أين مواقع الالتقاء والتسالم وقبول الآخرين.
4. نجد أن قضية إدخال القبور والأضرحة في الكفريات تتكرر كثيرا ويتم تصويرها على أنها تعبد من دون الله ويساوى بين بناء القبور والكفر وهذا تضليل خطير جداً وتشويه لذهنية طلاب صغار لم يطلعوا على الحقائق. ص 25، ص 96
5. (معنى الشهادتين وما وقع من الخطأ في فهمهما وأركانهما وشروطهما ومقتضاها) فتحت عنوان (مقتضى الشهادتين) ذكر ما يلي ( مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله: هو ترك ما سوى الله من جميع المعبودات المدلول عليه بالنفي وهو قولنا (لا إله) وعبادة الله وحده لا شريك له المدلول عليه بالإثبات وهو قولنا: (إلا الله) فكثير ممن يقولها وهو يخالف مقتضاها فيثبت الإلهية المنفية للمخلوقين والقبور والمشاهد والطواغيت والأشجار والأحجار، وإذا دعي إلى التوحيد اعتقد أنه بدعة وأنكره على من دعاه إليه وعاب على من أخلص العبادة لله) ص 43.هذا النص المتناقض الذي يثبت لك حقا ولكنه ينفيه عنك من وجه آخر عندما لا تقبل تفسيره للتوحيد الذي لا يمس في الحقيقة هذا التفسير الذي يقدمه جوهر العقيدة بل هو من تصورات ما يعتقد أنه يتصل بالتوحيد وليس منه.
ثانيا : توحيد الصف الثالث ثانوي:
(منهج قسم العلوم الشرعية (طبعة 1424 ـ 2003)، منهج أقسام العلوم الإدارية والاجتماعية والطبيعية والتقنية (طبعة 1422 ـ2001)).
ونظراً للتشابه والتوسع في توحيد الثالث شرعي مقارنة بتوحيد ثالث طبيعي سوف نجعله مرجعا.علما بأن هذا المنهج يمثل الصورة الكاملة للمشكلة الدينية التي تعانيها المناهج الدراسية التي تبتدئ من المرحلة الابتدائية وتمر بالمتوسطة.
1. (بداية الانحراف في تاريخ البشرية) ضمن الحديث تحت هذا العنوان أقحمت أمة الإسلام حتى عادت مشركة مرتدة؟! قال (إلى أن فشا الجهل في القرون المتأخرة ودخلها الدخيل من الديانات الأخرى فعاد الشرك إلى كثير من هذه الأمة بسبب دعاة الضلالة والبناء على القبور متمثلا بتعظيم الأولياء والصالحين وإظهار المحبة لهم حتى بنيت الأضرحة على قبورهم واتخذت أوثانا تعبد من دون الله بأنواع القربات من دعاء واستغاثة وذبح ونذر لمقاماتهم. ص 10. يمثل النص المذكور باستهلاله في أول المنهج أنموذجا صارخا لما سيأتي بعده ويتكرر بألوان التبديع والتشريك والتكفير والتفسيق للمسلمين ولن يستثني الشيعة منهم. وهو كما قلنا خلط في المفاهيم وإقحام لموضوعات لا شأن لها في التوحيد، وتصوير خاطئ للحقيقة لأن لا وجود لعبادة ولي أو صالح أو قبر عند أي من المسلمين ولا يوجد أي تلازم بين بناء القبور وبين عبادتها ولم نجد الأمم الإسلامية على كثرة ما فيها من المزارات قد كفرت أو أشركت والعياذ بالله من هذه التهم.
2. عاد إلى نفس موضوع النذور والذبائح والقبور والصالحين عند حديثه عن أنواع الشرك فيما يسمى بالشرك الأكبر ص13.
3. توسعه في موضوع الشرك ضمن ما يسمى بالشرك الأصغر حتى كاد أن يشمل كل شيء وهذا قهر للمفاهيم وتضييق على حريات الناس ووضعهم دائما ضمن دائرة الشرك ص 14.
4. إعادة فتح نفس الموضوعات السابقة على المسلمين ضمن موضوع (شبهات المشركين التي يتعلقون بها في تبرير شركهم) ووجود سعي حثيث لأن يكون المسلمون مشركون بل اعتبر إن نفي هذه التهمة عن المسلمين هو من بدع المشركين والعياذ بالله. من ص 17ـ 19. وهذا الفصل مليء بالمآسي تجاه المسلمين كلهم على اختلاف مذاهبهم عدا المذهب السلفي إن كان سيسلم أيضاً من هذا الداء.
5. في موضوع (الكفرـ تعريفه أنواعه) وبعد أن استعرض الكفر الأكبر والكفر الأصغر ختم الموضوع بالعبارة التالية ( وأما الفرق بين الكفر الأكبر والكفر الأصغر فيقال فيه مثل ما قيل في الفرق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر) ص21، والإحالة على ص19.
6. في موضوع 0الردة ـ أقسامها وأحكامها) ص31 استمر الخلط والتشويه السابقي الذكر بما يملأ قلب الطالب بالريبة عندما تحدث عن (الردة بالفعل كالسجود للصنم والشجر والحجر والقبور والذبح لها) وهذا خلط فمن من المسلمين يسجد لغير الله؟
7. يوجد موضوع باسم التكفير من تعريفه وأنواعه وشروطه وموانعه وكيفية قيام الحجة ص32. وهذا موضوع من أساسه غير مناسب للطلاب ويدعهم تحت مهب ريح عاتية ويشوش عليهم حياتهم ونظرتهم الطبيعية للناس والمسلمين، لأنه يقدم لهم المسلمين على طبق من أنواع الكفر وما عليك إلا أن تختار منها ما يناسب المزاج الناري لطلاب المدارس الثانوية.
8. يمتلئ الكتاب بمادة دسمة عن الشرك تبدأ من ص 37 إلى آخر الكتاب شاملة لعشرين فصلا موضوعة تحت عنوان عام (أقوال وأفعال تنافي التوحيد أو تناقضه) بحيث أننا نسمع عن شرك الخوف وشرك المحبة وشرك التوكل وغيرها كثير مما يسيء لذهنية الطالب ويزرع في نظره لمؤسسات المجتمع والدولة ورجالاتها نظرة سلبية.ويجعله يتعلم الأخطاء أكثر مما تجعله يتعلم ما هو مفيد له.
9. عاد موضوع القرابين والنذور والهدايا للمزارات والقبور وتعظيمها للفتح من جديد في الفصل العاشر ص 61 بحيث يوجه للمسلمين بما فيهم الشيعة. وعند الحديث عن موضوع (الاستهزاء بالدين والاستهانة بحرماته) عاد موضوع القبور ليدخل من جديد ضمن نفس المفاهيم المغلوطة التي تحدثنا عنها من قبل. ص 66 وكذلك فتح نفس الموضوع عند الحديث عن حكم الحلف بغير الله ص80.وكذلك عند موضوع التوسل ص 82. والاستعانة والاستغاثة ص84.
10. فتح موضوع الاختلاف في الخلافة بعد رسول الله ضمن موضوع (سوء الظن بالله) ليحيل الموضوع من بحث تاريخي إلى بحث عقائدي وجعل المسألة في صدقها أو كذبها مرتبطة بسوء الظن بالله ودينه.ص87.
11. تحدث عن عقيدة الشيعة في عصمة الأئمة ووصفهم بالغلو ضمن حديثه عن فضل أهل البيت، جاء في ذلك ( ويتبرأ أهل السنة والجماعة من الذين يغلون في بعض أهل البيت ويدعون لهم العصمة)ص104. وزاد في ذلك حين أدخل موضوع الصحابة وما حدث بينهم معتبرا الكلام فيها والبحث فيها من مسالك أهل البدع وأعداء الدين ص108.
ضمن موضوع باسم ( تعريف البدعة وأنواعها وأحكامها) ص 116عاد لفتح كل ملفات الذبائح والنذور والبناء على القبور بنفس النظرة التشويهية التي لا يمارسها المسلمون.
عند حديثه عن أماكن ظهور البدع نقل نصا لأبن تيمية يذكر فيها الأماكن التي ظهر فيها العلم ويعددها (الحرمان ـ مكة والمدينة، والعراقان، والكوفة، والبصرة، والشام). ثم استمر النقل ليقول بأن أصول البدع ظهرت من هذه الأمصار عدا المدينة ص 119.
تحت موضوع (نماذج من البدع المعاصرة)ص126 لم يدع ممارسة يختلف معه فيها الآخرون إلا ونسبها للبدعة وعلى كثرتها نتعرض لأهمها التي يمارسها المسلمون كلهم خارج المملكة والشيعة، وهي:. بدعة الاحتفال بالمولد النبوي ص126، بدعة الذكر الجماعي بعد الصلاة ص128، طلب قراءة الفاتحة في المناسبات وبعد الدعاء للأموات، إقامة المآتم على الأموات وصناعة الطعام واستئجار المقرئين، الاحتفال بالمناسبات الدينية كالإسراء والمعراج والهجرة النبوية، العمرة الرجبية، تخصيص ليلة لنصف من شعبان، البناء على القبور ص 128.
لم يشأ أن يختم الكتاب إلا بأن يذكر بحديث الفرقة الناجية المتعينة في أهل السنة والجماعة ص 137.
نظرة على بقية المناهج الدينية:
بنفس منوال الإقصاء نجد أن منهج الفقه والحديث والتفسير يقتصر على رؤية الفقه الحنبلي مع إقصاء لآراء بقية المذاهب ووصف آرائها بأوصاف غير لآئقة لا تناسب مشروعية المذاهب.
هذا الإقصاء يحل محله فقه يدرس أحكام الصلاة وفق المذهب السني السلفي بخصوصياته الفقهية التي لا تناسب قناعات أتباع المذهب الجعفري وسوف يقوم الطلاب وبطريقة بغبغائية بحفظ نصوص التشهد والسلام على طريقة المذهب السني دون أن يلتزموا بها، وسيقرءون الوضوء على نفس المنوال ليمكن لهم النجاح في الاختبار وسيدرسون حرمة زواج المتعة وتلك التوصيفات التي يلحقونها به من قبيل أنه شبيه بالزنا مع اعترافهم بأنه كان مباحا في أول الإسلام ( الفقه وأصوله للصف الثالث الثانوي ، قسم العلوم الشرعية والعربية ص46. وعليهم بحفظ الأحاديث ورواتها كما يؤمن بها المذهب السلفي وعليه أن يتلقى التفسير منهم بحسب نفس المدرسة. وقبال ذلك لا تكاد تجد ذكراً لمرويات أهل البيت ونظراتهم إلا نادرا كندرة الكبريت الأحمر ولا تجد اعترافا بمصدر الروايات والتفسير القرآني الذي يقدمه أتباع مدرسة أهل البيت. تستمر الحالة الإقصائية لأقصى درجاتها بحيث يشعر الطالب بأن أجواء تفصله عن منهج مفروض عليه فرضا وعليه أن لا ينتقده أو يقدم تجاهه أي ملاحظة.
ثانياً: المرحلة المتوسطة:
لا يختلف العرض في المرحلة المتوسطة عنه في المرحلة الثانوية، فنفس الموضوعات تتكرر وبنفس الأساليب التهجمية والتشويهية التي تجر فهم الطالب إلى ما تريد عرضه دون ما هي عليه الحقيقة الدينية عند المذاهب الأخرى. وها نحن نستعرض استعراضا سريعا بعض ما في هذه المناهج:
أولا: توحيد الصف الأول المتوسط (طبعة1423/1424):
1. موضوع (الذبح لغير الله شرك) الذبائح للأولياء من أعمال الجاهلية ويقول فيها ( إن ما يفعله المسلمين وتعارفوا عليه من الذبائح على أضرحة الأولياء وعلى المشاهد والقباب في المواسم التي تقام باسم أولئك الصالحين... كل هذه ضلال وباطل وهو من الشرك في عبادة الله ومن أعمال الجاهلية الأولى) ص87 ـ 88.
2. موضع (نذر الطاعة ونذر المعصية) ص93 في أحد الفقرات ص 94 (النذور للأولياء والصالحين من أعمال الجاهلية) ذكر فيه (إن ما ينذره جهلة المسلمين من نذور للأولياء والصالحين من أموات المسلمين كان يقول :يا سيدي فلان إن رزقني الله كذا أجعل لك كذا، فهو نذر لغير الله وعبادة صرفت لغيره تعالى فهو شرك أكبر) ص94.
3. في موضوع (أقسام الدعاء) ص103،في إحدى فقراته وعلى عادة التشويه التلبيس وإدخال الأشياء في بعضها البعض (دعاء الأولياء والصالحين من عمال الجاهلية)ص104.وأعاد في فقرة أخرى نفس الموضوع بنفس التهم ليختمها بالشرك والجاهلية ص 104.
4. يستمر الموضوع كما عرضناه سابقا في موضوع الاستغاثة ليتم تكرار نفس المفاهيم ونفس النظرات السلبية التي لا يعرف لها موقع قدم وقبول في التراث الديني ص 106، 108.
ثانيا: توحيد الصف الثاني المتوسط(طبعة 1423/1424):
1. يعود موضوع حكم الاستشفاع بالأولياء والصالحين من أموات المسلمين لتتكرر نفس المعروضات بنفس الطريقة والنتيجة النهائية هي الحكم بشرك المسلمين.ص12.
2. وبدون أي سبب واضح يفتح موضوع كفر أبي طالب في موضوع الشفاعة ص15،وموضوع الهداية ص 17 ـ18. ولا ندري ماذا يستفيد الطلاب من هذا الموضوع وما دخله بالتربية والتعليم ؟ ولماذا نريد إثارة الطلاب تجاه أبي طالب أيا كان مسلما أو كافرا وهو الذي من حقه أن يشاد بدوره في حماية النبي والدفاع عنه طوال حياته؟!.
3. ويعود موضوع البناء على القبور وحكم بناء المساجد على القبور ويكال أنواع التكفير والشرك ويوصف الفاعلين بأنهم شرار الخلق ص30 ـ31. ونحن نقول هل وجدنا مسلما يصلي على قبر أو يبني مسجدا على قبر حتى تشوه الصورة لدى الطلاب فيظنون أن المساجد التي تقع فيها قبور الصالحين هي مساجد على القبور. هذا وعادة بناء المساجد منتشرة في كل العالم الإسلامي ولا يوجد بلد مع كثرة العلماء فيها قد ذكر لنا وجود حالات من الكفر والشرك إلا أن نتهم علماء المسلمين أيضا؟!. على أن الموضوع يستمر في المنهج من خلال تضليل المسلمين وتشبيههم باليهود واتهامهم بالشرك وبما يفعل عندهم كوسيلة للشرك؟! ص33 ـ34.
4. يستمر الموضوع تحت عنوان (الغلو في قبور الصالحين) لتعاد نفس عبارات التشريك والتكفير والتبديع بنفس أساليب الخلط ودون أن نعلم ما ذا يستفيد الطالب تربويا من مثل هذه الموضوعات التي تستمر إلى ص 40.
5. ينجر الموضوع إلى زيارة قبر النبي ص41 لتقدم نفس الشركيات لزائر قبره.
6. ويأخذ الموضوع غاية منتهاه عندما يبحث تحت عنوان (الشرك في أمة محمد ص ) حيث يركز المنهج على وقوع الشرك في أمة الإسلام فلا يدع صفة سيئة لتشبيههم بالشرك وحمل ما عند غير المسلمين من أوصاف لنسبتها إليهم ويعود المنهج مرة أخرى لتكرار نفس ما كرره سابقا حول موضوع القبور والأولياء والصالحين متهما المسلمين بعبادتها وقال أخيرا بعد شرح مفصل (وقد حدث هذا بالفعل في كثير من بلاد الإسلام وابتلي به كثير من الناس)؟! ص47 ـ48.
ثالثا: توحيد الصف الثالث المتوسط (1423/1424):
1. موضوع (تعبيد الأسماء لغير الله) استمر الخلط الواضح بين العبودية لله والعبودية بمعنى الانتساب حبا إلى الشخص فأخذ المنهج يكيل التحريم لمسميات عبد النبي وعبد الرسول وعبد الكعبة وعبد الحسين. وربط الموضوع ربطا لا علاقة له بالشرك بالله عبر استدلاله بآية لا تفيد أي معنى ذي صلة بالموضوع ص80 ـ81. وهذه المشكلة كسابقاتها تفترض الخطأ ثم تبحث له عن مبررات للحكم بالكفر والشرك.
2. عاد موضوع القبور للفتح من جديد لإشغال الطلاب بقضايا غير ذات صلة بحياتهم وضمن نفس النظرة الخاطئة التي تفترض الخطأ ثم تبحث له عن مبررات الحكم دون أن تنظر بعين الاعتبار إلى أن ممارسات المسلمين كلهم ليس فيها شيء من الشرك أو عبادة غير الله ص125.على أننا أشرنا في منهج توحيد الصف الثالث كيف أن هناك اتجاه صريحا بعدم نفي الشرك عن أمة الإسلام والاصرار على شركيتها.
3. وبنفس الطريقة تم فتح موضوع (حكم الاستشفاع بالله على خلقه) ص144 ليعاد فتح جميع الموضوعات بنفس الأسلوب وطريقة التفكير للمذهب السلفي.
4. واستمر الوضع على ما هو عليه ليصل إلى موضوع (التحذير من الغلو في الألفاظ) جاء في المنهج ( كل قول يفضي إلى الغلو الذي يخشى منه الوقوع في الشرك فإنه يتعين اجتنابه . تقول: أنت سيدنا وابن سيدنا وخيرنا وابن خيرنا وغير ذلك من الألفاظ التي يأتي بها الناس الآن من الغلو فقد يجرهم ذلك إلى أن يدعوه ويستغيثوا به ويزعموا أنه يعلم الغيب ومطلع على كل شيء)ص148. ولننظر فقط بعين النصيفة إلى هذا النص الذي يفترض الافتراضات ويرتب عليها النتائج، ويحرك نحوها معاني لا يستخدمها الناس ولا يسدلون بها على أي شيء خارج الطبع البشري لنرى كيف أن المسألة ستصل إلى علم الغيب والإطلاع على كل شيء، فكيف ترتبت هذه النتائج من تلك المقدمات مع البعد بينها؟!.
5. وبنفس الطريقة يتم استعراض إطلاق لفظ السيد على الشخص لنصل من خلال العرض المبسط وغير معروف الفائدة والدواعي التربوية إلى الشرك والتبديع كحالة مستحكمة في مناهجنا مهووسة بإطلاقها وتعميمها وعدم استثناء أي شيء من الشرك والبدعة والكفر؟! ص148.
ثالثاً: المرحلة الابتدائية:
لم نبدأ بالمرحلة الابتدائية رغم أهميتها لأن ما يعرض فيها يتم إعادته بالتفصيل في المرحلتين الأخريين. إلا أن هذه المرحلة التي يقدم عليها الطفل بريئاً سرعان ما تمتلئ بمشوهات تفكيرية فهو يدرس المناهج الدينية وعليه في كل لحظة أن يقدم لك وصفا هو إما بدعة أو شرك أو كفر، ويدرك بفطرته أن هناك قصداً يتوجه إليه من خلال ملاحظته للفوارق والممارسات التي يتعلمها من خلال نظامنا التعليمي. فالطالب الذي كان واجبه علينا أن نزيده حبا للدين وتشويقا إلى الإقتداء به نجد أننا نقدمه له بطريقة الطرق بالمطرقة والتعبئة القهرية، فهو عليه.
1. أن يحفظ في الصفوف الأولى سورا قرآنية دون أي شرط لفهم معانيها ويكفي أن يكررها تكرار البغبغاء، وعليه أن يحفظ بعض السور الصعبة الحفظ في بعض مقاطعها دون أدنى تسامح فسورة الكافرون يخطأ في حفظها الكبار فكيف الصغار. وعلى الطالب أن يستخدم الحفظ الذي يتلاشى بمجرد انتهاء السنة الدراسية.
2. أن يتعلم أحكامه العبادية من وضوء وأذان ومسح على الخفين وصلاة بكل تفاصيلها وصوم وحج وفق المذهب السلفي ( لاحظ مثلا منهج الصف الرابع طبعة 1420/1999) مما لا يجعله والأسرة متحمسين لتطبيقها، ولكن عليه أن يحفظها لأجل النجاح والصعود إلى الصف التالي.
3. في منهج الدين للصف السادس الابتدائي (طبعة 1422/2001) وبالأخص في قسم التوحيد يتم فتح موضوعات الخلاف المذهبي التي ستفتح على مصراعيها في مناهج المرحلة المتوسطة والمرحلة الثانوية، ويبدأ الطالب في تكرار كلمات وألفاظ البدعة والشرك والكفر، ويبدأ بالتنبه إلى أنه متهم منذ البداية وعليه أن يتعلم أنه يمارس أفعاله السلوكية والعبادية بالطريقة التي يشرحها المنهج لا بالطريقة التي يتم تعليمه إياها مما يفتح المسألة على وجوه من الأسئلة حول الجوانب التربوية التي يتعلمها الطالب ومقدار ما يؤثر في نفسيته ويعلمه التفرقة المذهبية والاختلاف بينه وبين معلميه، وبين الفكر السلفي السعودي وغيره من الفكر الإسلامي. وتبدأ في هذه المرحلة ترسيخ فكرة صحة اعتقاد أهل السنة والجماعة فلا ترى إلا صوتها ولا تسمع إلا رأيها فيما تغيب بقية الآراء وبقية الأصوات.
4. وفي هذه المرحلة (الصف السادس الابتدائي) الذي يجب على الطالب أن يمارس عباداته نجده يدرس شيئا لا يتصل بواقع حياته المنتمية إلى مذهب مغاير ونجد هدرا من الوقت وقلة استفادة لأنه يتعلم لأجل فكرة تسمى النجاح لا لأجل فكرة المعايشة والتطبيق.
خاتمة:
لقد قدمنا هذه الرؤية لا بهدف إشعال نار العراك والاختلاف بل بهدف أن يمارس كل منا حقه فكما من حق السلفي أن يدرس أبناءه وفق مذهبه وعقيدته للآخرين نفس هذا الحق.
على أن إيجاد منهج متآخي يشارك الجميع في صنعه وتعليمه يركز على المشتركات ويبتعد عن الاختلافات ليتركها للكبار والمثقفين هو الرأي الراجح وعلينا عندما نقرر أن يكون منهج الدين هكذا أن نجعله منهجا طبيعيا يعرفنا بالفضائل وبقيمة الآخرين دون إجحاف لحقهم في نشر الإسلام وحفظه ورعايته وبناء الحضارة الإسلامية فالقرآن يأمرنا أن نعدل للآخرين دون أي نقيصة ( ولا يجرمنكم شنآن قوم ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى ). وإذا لم نكن عادلين فنحن بالضرورة نمارس الظلم الذي نهى عنه القرآن في أكثر من موضع.
إننا بحاجة لتصحيح أخطائنا وفهم أنفسنا والعمل جميعا على بناء الوطن والثقافة بعيداً عن التباغض والتعادي لأن مشتركات الدين أكثر من الاختلافات ولأن الجميع بحمد الله مسلمون يؤدون ما عليهم من الفرائض والواجبات ويطلبون رضا الله، ويشملهم وصف الأمة بأنها خير أمة أخرجت للناس.
تم ارسال رسالتك بنجاح