أربعون عاماً وما زال النظام السعودي يعمل على طمس الهوية الشيعية
استنزفت السلطات على مدى عقود المواطنين الشيعة بوعود التنمية، وأي تنمية قد تقوم على طمس وتدمير ملامح الآخر، وهويته الدينية، أو التاريخية، أو الثقافية؟ موقف يدفعنا للتساؤل عن المستفيد من كل هذا النبذ والاستهداف الطائفي المستمر؟ وإلى أين تسير السعودية بنهجها؟ زينب العلي ـ خاص مرآة الجزيرة
تُعد الحريات بشتى أشكالها ركيزة مهمة لتصنيف الدول، فتعلو بعلو هذه الحريات المتوفرة لشعوبها وتدنو بانخفاضها. وتسير الدول نحو التقدم للحاق بوتيرة النمو المتسارع حولها بتحقيق ارتفاع نسبي في عدد أساسي من الحريات، كالحرية الاقتصادية، والحرية الاجتماعية، والحرية السياسية. فتكفل الدولة هذه الحريات بنسب متفاوتة وتسعى لموازنة المعادلة إن اخلت بإحداها. فالحرية الاقتصادية تكفل للأفراد توفر الفرص الحقيقية لتحقيق الطموح الشخصي فتزداد طاقتهم الإبداعية والإنتاجية مما يعود على الدول وأفرادها بالنفع الكبير. أما الحرية الاجتماعية تكفل توفر الفرص لشتى أطياف المجتمع من دون تحيز اعتمادا على دين أو طائفة أو عرق. والحرية الاجتماعية تكفل للفرد الحق في ممارسة طقوسه الخاصة ضامنة له احترام اختلافه، فالتنوع والتعدد الثقافي والمعرفي والديني لا يشكل أي مشكلة حين تتسع دائرة الحريات الاجتماعية في البلدان. كما أن الحرية السياسية تكفل مشاركة الأفراد في بناء بلد ديمقراطي وفي صناعة القرار فتكتمل مسيرة التنمية بتكليلها بالمسؤولية الوطنية وبشعور الفرد بالانتماء وبحاجته للدفع بعجلة التغيير للأمام لصالح بلاده. الشيعة في السعودية وسيادة التمييز الطائفي يعيش المواطن الشيعي في السعودية تحت وطأة سياسة التمييز الاجتماعي والسياسي التي نهجتها الحكومة منذ تأسيسها. ومع تغير الأوجه وتبدل الحكام في السعودية بقيت سياسية القمع التي يواجهها الشيعة في السعودية ثابتا لا يتغير، حيث تُمارس العنصرية ضد الشيعة في القطيف والأحساء المعروفتان منذ الأزل بثرواتهما وأهميتهما الاقتصادية حتى قبل اكتشاف غناهما بالبترول. سلط العديد من الباحثين والكُتاب الضوء على الأبعاد المتعددة لانتفاضة القطيف لعام 1400 هجري، 1979 ميلادي، وأسهب العديد منهم في تناول هذا الحدث والدافع وراءه. وأجمعت الآراء بشكل عام بأن الشيعة في المنطقة كانوا يعانون من التضييق الشديد في ممارسة الشعائر والإقصاء الاجتماعي والاقتصادي. ولم تنفع المبادرات التي أطلقها العديد من علماء الشيعة لتجسير العلاقات، حيث قابل النبذ هذه المساعي وضُربت مطالب الشيعة المحقة بعرض الحائط. أربعون عاماً.. انتفاضة وحراك بعد أربعين عاماً، يجد المتابع لشأن الحريات الدينية في السعودية بأن مطالب الشيعة هي ذاتها، وبأن القمع لايزال هو الأداة المستخدمة لإخماد أي صوت يغرد خارج السرب. ففي انتفاضة محرم سنة 1400 هجرية، التي تمثلت في خروج مسيرات عاشورائية واستمرت لأربعة أيام، من السادس من محرم إلى العاشر منه، طالبوا فيها بالاعتراف بالمذهب الشيعي، والسماح بممارسة شعائرهم الدينية علناً دون خوف، ورددوا شعارات تدعو لوحدة المسلمين، فهتفوا “لا سنية لا شيعية… وحدة وحدة إسلامية”، و“دين النبي واحد ما في تفرقة”. قامت قوات الحرس الوطني بقمع الاحتجاجات بقوة السلاح وسقط آنذاك 20 شهيدا وأكثر من 80 جريحا.
ويشير الباحث السعودي إبراهيم الهطلاني في كتابه “الشيعة السعوديون- قراءة تاريخية وسياسية” إلى أن هذه الانتفاضة “أسفرت عن خروج قادة المعارضة الشيعية الإسلامية، وخصوصاً حركة ”الرساليين الطلائع” إلى إيران، وتأسيسهم منظمات للمعارضة، أبرزها منظمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية، بقيادة الشيخ حسن الصفار”. كما قامت السلطات السعودية بعد هذه الأحداث على هدم قلعة القطيف الأثرية التاريخية التي تم انشاؤها في عام 216 هجري، 831 ميلادي. وفي الحراك الشعبي سنة 2011 ميلادي، طالب المتظاهرون بالإصلاحات ذاتها سواءً على الصعيد الاجتماعي أو السياسي. حيث جثمت القطيف والأحساء تحت وطأة التمييز الطائفي لعقود وأصبحت الإصلاحات مطلبا رئيسياً لا غنى عنه، ولكن كديدن السلطات السعودية كان القمع، والقتل، والاستهداف هو الرد. فسقط عشرات الشهداء واستُهدف الأهالي ونَكلت السلطات بالجميع، فأجرت حملات الاعتقال ومارست صنوف التعذيب وأقامت محاكم شكلية. كما قامت بتدمير وهدم حي المسورة وهو رمز تاريخي حضاري موجود في منطقة العوامية. ولعبت الطائفية دور فعال في اقصاء وتهميش الشيعة في السعودية، حتى أنها دخلت ولازالت موجودة وتدرس في مناهج الطلاب المعتمدة في المدارس من قبل وزارة التعليم. وذكرت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير لها في 13 سبتمبر 2017 “إن المناهج الدراسية الدينية في السعودية تحتوي على لغة تحض على الكراهية والتحريض تجاه الأديان والتقاليد الإسلامية التي لا تلتزم بتفسيرها للإسلام السُني. النصوص تحط من قدر الممارسات الدينية الصوفية والشيعية، وتنعت اليهود والمسيحيين بـ “الكفار” الذين لا ينبغي للمسلمين أن يتعاملوا معهم” وأشارت إلى أن هذه المناهج تعزز التعصب اتجاه الشيعة واتجاه أي ممارسات دينية اخرى.
والآن في محرم 1440 هجرية، 2018 ميلادي، نرى التصعيد مازال مستمراً. فنرى استهداف واضح لعادات الشيعة في السعودية ومحاولة لمنعهم من ممارسة تقاليدهم وشعائرهم التي تشكل جزء لا يستهان به من هوية وحضارة الانسان الشيعي. حيث دمرت السلطات السعودية وأزالت ثم منعت شيعة القطيف من وضع مضائف حسينية وهي مضائف يستخدمها الأهالي لتوزيع الطعام على حب الحسين (ع). كما حذرت الخطباء الشيعة ووضعت سياسة واضحة للمواضيع المسموح بالتطرق إليها خلال هذه الفترة. استنزفت السلطات على مدى عقود المواطنين الشيعة بوعود التنمية، وأي تنمية قد تقوم على طمس وتدمير ملامح الآخر، وهويته الدينية، أو التاريخية، أو الثقافية؟ موقف يدفعنا للتساؤل عن المستفيد من كل هذا النبذ والاستهداف الطائفي المستمر؟ وإلى أين تسير السعودية بنهجها؟
تم ارسال رسالتك بنجاح