المسألة الشيعية في المملكة العربية السعودية
يعيش الشيعة على هامش النظام السياسي في المملكة العربية السعودية، وكرد فعل على هذه السياسة الرسمية، تبنّوا مبدأ المواجهة مع نظام الحكم، إلّا أن تسعينات القرن الفائت شهدت طوراً جديداً في العلاقة بين القوى الشيعية المعارضة والسلطة. فالأخيرة تحاول إحتواء مطالب الشيعة وتطلعاتهم، بينما يسعى الشيعة، سلمياً، لأن يحصلوا على مواطنيتهم الكاملة. ولكن إلى أي حد نجحت الحكومة في خطتها؟
الرياض – راغب الشيباني
منذ تأسيس المملكة العربية السعودية في العام 1932 والشيعة يعيشون على هامش النظام السياسي السعودي، ويخضعون لسياسات، تصفها بعض تقارير منظمات حقوق الإنسان، بأنها تمييزية. إلّا أن إنتصار الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979، قد شكَّل لحظة فارقة في العلاقة بين الشيعة والنظام الحاكم في المملكة، إذ أنها قد ألهمت الشيعة السعوديين، وعزّزت توجّهات الرفض لديهم لحكم آل سعود. وفي المقابل ولّد نجاح الثورة في طهران مخاوف عميقة لدى النظام السعودي من ولاء الشيعة للجمهورية الإسلامية.
من المعروف أن السعودية هي دولة ذات غالبية سنّية وموطن لأقلية شيعية كبيرة يعيش معظمها في المنطقة الشرقية من البلاد. وأكثرية الشيعة هناك هي من الطائفة الإثني عشرية، والتي هي أيضاً الطائفة الشيعية الرئيسية في إيران والعراق والبحرين. وعلى الرغم من أن الإثني عشريين في المنطقة الشرقية ليسوا الشيعة الوحيدين في المملكة، (هناك مجتمعات كبيرة من الإثني عشريين في المدينة المنوّرة، وبعض الإسماعيليين من أبناء قبيلة “يام” في منطقة نجران، والشيعة الزيديين في مناطق عدة في الجنوب)، فإنهم يشكّلون مركزية الحركة السياسية الشيعية في السعودية.
على الصعيد الإقتصادي تشير تقارير متطابقة إلى أن الشيعة السعوديين يعانون التمييز في الوظائف العامة. وعلى الرغم من أن قطاعاً من شيعة المنطقة الشرقية يعملون في “أرامكو” السعودية الحكومية، إلا أنهم يشيرون إلى حرمانهم من الترقّي إلى الوظائف العليا في الشركة. ويرى مراقبون أنه “نتيجة لسياسة التمييز الحكومية” فإن التجمعات الشيعية تعاني من الفقر وأوضاع معيشية صعبة.
ويتهم الشيعة الحكومة بأنها تعمّدت إهمال مناطقهم على مدى عقود من الزمن، فالبنية التحتية فيها والخدمات الصحية والتعليمية وغيرها تعتبر متدنية. كما يدّعون بأنهم حرموا من الإستفادة من العوائد النفطية، التي تنبع من مناطقهم، مثلما إستفادت منها مناطق البلاد الأخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن الشيعة يمتلكون جمعيات خيرية تتلقى الدعم من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية السعودية، مثل جمعيات العمران والبطالية والمواساة في الأحساء.
لا توجد إحصاءات رسمية عن عدد الشيعة في السعودية، إلّا أن تقرير “المسألة الشيعية في المملكة العربية السعودية”، الصادر عن المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات (ICG) في بروكسل في العام 2005، يقدر عددهم بمليوني نسمة تقريباً، يمثلون نسبة 10-15 في المئة من إجمالي السكان.
ويرجع شيعة المملكة إلى أصول وجذور عربية، ويعود تاريخ وجودهم في شرق الجزيرة العربية إلى أواخر القرن الثالث الهجري، حين أقام القرامطة (وهم من الشيعة الإسماعيليين) في هذه المنطقة دولتهم. ومنذ ذلك الحين وحتى تأسيس الدولة السعودية الحديثة، مثّلت هذه المنطقة مركزاً شيعياً روحياً مهماً، فكانت القطيف تسمى “النجف الصغرى” لكثرة الحوزات العلمية فيها.
بداية النشاط الشيعي
في خمسينات وستينات القرن الفائت، كان النشاط الشيعي في المنطقة الشرقية يجري ضمن الأطر الإشتراكية والقومية العربية. ومن بين الناشطين كان العمال الذين طالبوا بظروف عمل وحياة أفضل من شركة النفط “أرامكو”. وكان هذا النوع من النشاط إلى حد كبير غير طائفي، إذ أن عمالاً من أهل السنة قد شاركوا أيضاً في هذا الحراك العمّالي.
وقد تغيّر هذا الإتجاه عندما بدأ الطلاب الشيعة السعوديون في الكويت تنظيم أنفسهم سياسياً، وشاركوا في “حركة طلائع المبشّرين”، وهي شبكة شيعية عابرة الوطنية يقودها رجل الدين العراقي آية الله محمد الشيرازي، الذي وجد ملجأ في الكويت بعدما فرّ من العراق البعثي. كان الشيرازي الزعيم الروحي للحركة، ولكن إبن شقيقته محمد تقي المدرّسي كان مسؤولاً عن عملياتها، والذي أطلق لها في العام 1975، مع شقيقه هادي، فروعاً في السعودية والبحرين. وقد شكّلت هذه بدايةً لمرحلة جديدة من النشاط الشيعي المعارض للدولة السعودية.
وكان رجل الدين الشيخ حسن الصفّار، المولود في القطيف في 1958، هو الوجه السعودي ل”حركة طلائع المبشّرين”. في العام 1979، قاد إنتفاضة شيعية في المنطقة الشرقية حيث سحقتها قوات الأمن في المملكة. على أثر ذلك فر الصفّار ونشطاء آخرون من البلاد وشكّلوا معارضة لحكومة الرياض من المنفى.
بحلول تسعينات القرن الفائت، كان واضحاً لأمثال الصفّار أن النشاط من طريق المواجهة قد فشل في تحقيق أي فوائد حقيقية للشيعة السعوديين. لذا خفّف كثيرون من حاشيته حدة خطابهم وعزّزوا كما أيّدوا التقارب مع الحكومة السعودية. وقد كانت ردود الفعل من الدولة على ذلك إيجابية. تحت قيادة الملك فهد والملك عبد الله، وعدت الأسرة الحاكمة بإصلاحات لتحسين محنة الشيعة السعوديين. مع ذلك، رفض بعض الشيعة عملية المصالحة، بمن فيهم رجل الدين الشيخ نمر النمر، و”حزب الله الحجاز”، وهو مجموعة شيعية مسلّحة معارضة، ولكن الكثيرين من الشيعة قَبِل وعود النظام إذ أنهم إعتبروها بأنها تأتي مع إنتشار الآمال بأن عبدالله سيكون حاكماً إصلاحياً بعدما أقدم على خطوات جيّدة في هذا المجال. وأقرّ زعماء الشيعة في وقت لاحق أنه بمجيء الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى الحكم، حصل إنفتاح أوسع عليهم من قبل النظام. إلا أنهم لمّحوا إلى أن ثمة تياراً في الأسرة الحاكمة، والمؤسسة الدينية الوهابية، يقفان عائقاً أمام مزيد من الإنفتاح عليهم.
وفي خطوة فسرها بعض المراقبين بأنها نتيجة لتأثر شيعة السعودية بتنامي نفوذ إخوانهم في العراق، قام 450 ناشطاً شيعياً، في 31 نيسان (إبريل) 2003، برفع عريضة بإسم “شركاء في الوطن”، إلى الأمير عبدالله ( ولي العهد آنذاك)، والتي شدّدت على إنتماء الشيعة للوطن السعودي.
كما دعت العريضة إلى ضرورة تحقيق المواطنة الكاملة، والإعتراف بحقوق الشيعة على قدم المساواة مع أبناء الوطن الواحد، وإنهاء كل أشكال الكراهية والبغضاء والتحريض المذهبي الذي يمارس ضدهم.
من جهته وفي محاولة للوصول إلى المجتمع الشيعي، أقدم الملك فهد، والملك عبد الله في وقت لاحق، على الإفراج عن السجناء السياسيين الشيعة، وتم بناء وتحسين البنية التحتية في المناطق الشيعية، وخففت القيود بالنسبة إلى إحترام الطقوس الشيعية، على الرغم من أن هذه الإصلاحات كانت في كثير من الأحيان جزئية. على سبيل المثال، سُمِح للإحتفال بذكرى عاشوراء في القطيف، وهي منطقة شيعية، في العام 2004، ولكن الإحتفال بالمناسبة ظل محظوراً، وغير متجانساً، في مناطق أخرى من المنطقة الشرقية.
في حين كانت هناك خطوات إيجابية تجاه الشيعة، على الرغم من أنها كانت في كثير من الأحيان متردّدة، من المؤسسة السياسية في المملكة، إلّا أنها كانت تقريباً غائبة من المؤسسة الدينية. تواصل السلطات الدينية السنّية الوهّابية المهيمنة على وصف الشيعة بأنهم غير مؤمنين (كفار). ويتمتع رجال الدين هؤلاء بمناصب قيادية إجتماعية، وغالباً تُخصَّص لهم مراكز بيروقراطية رسمية كما يشاركون بسهولة في منابر متاحة لهم في مجموعة واسعة من وسائل الإعلام. على الرغم من أن بعض رجال الدين الإصلاحيين هو أكثر إعتدالاً في نهجه بالنسبة إلى الشيعة، فإن وجهة نظر رجال الدين الوهابيين ككل، بالنسبة إلى التشيّع كدين والتطلعات السياسية للسكان الشيعة السعوديين، هي عدائية ومتخاصمة بإستمرار. ولا يزال من غير المرجح أن تقبل المؤسسة الدينية السعودية التشيّع الإثني عشري كجزء شرعي من الإسلام. وفي الوقت عينه، ينتقد بعض الناشطين والمثقفين الشيعة، مثل فؤاد إبراهيم وحمزة الحسن، زعماء الشيعة الذين يواصلون السعي إلى التقارب مع الحكومة.
إتهامات بعدم الولاء للدولة
منذ أحداث العام 1979، في كلٍّ من إيران والمملكة العربية السعودية، فقد أثار أعضاء من المؤسسة الدينية الوهابية مسألة ولاء الشيعة للمملكة. وقد ساهم سقوط نظام صدام حسين في بغداد والإرتقاء اللاحق للشيعة ووصولهم إلى الحكومة المنتخبة هناك، ناهيك عن الحرب الأهلية في العراق 2006-2007، في تصعيد وتعزيز هذا الموقف في أوائل هذا القرن. وقد أشار رجال الدين السنة إلى هذه الأحداث وحذّروا من خطورة (سواء كان ذلك حقيقياً أو وهماً) النشاط السياسي الشيعي.
إن إتهامات الإنتماءات الشيعية العابرة للوطنية — ولا سيما مع إيران — تُطلَق عادة في الخطب الدينية والمحاضرات والمنشورات. على الرغم من أن قادة الشيعة البارزين، من بينهم حسن الصفّار وجعفر الشايب، غالباً ما يؤكدون على ولاء الشيعة للدولة السعودية، فإنهم مع ذلك يعانون من تهمة التبعية، سواء من الناحية الإيديولوجية أو المادية، للمجتمعات والحكومات الشيعية في الخارج.
في محاولة لمواجهة هذه الاتهامات، سعى الصفّار مراراً وتكراراً إلى التقليل من شأن علاقات الشيعة السعوديين مع آية الله علي السيستاني في العراق، الذي هو مصدر المرجعية والتوجيهات الدينية بالنسبة إلى معظم الإثني عشريين السعوديين. ويوضّح الصفّار في هذا المجال بأن تلقّي الإرشاد الديني من مصادر خارجية لا يتعارض مع الإخلاص السياسي للمملكة.
وقد أعاد حادثٌ وقع في العام 2009، على حد سواء، التعبير عن مظالم الشيعة والإدعاءات بعدم ولائهم. لقد قامت في ذلك العام مجموعة من الشيعة السعوديين بزيارة إلى مقبرة البقيع في المدينة المنوّرة في شباط (فبراير) الأمر الذي أدّى إلى إشتباكات بين الزوار وقوات الأمن. وقد أشعل هذا الحدث النشاط السياسي الشيعي، خصوصا بالنسبة إلى أولئك الذين شعروا أن سنوات من الحوار مع الحكومة كانت غير مثمرة. من جهته، مستفيداً من هذه المشاعر، بدأ الشيخ نمر النمر، الذي كان رفض منذ فترة طويلة الحوار، حشد الدعم لتجديد النشاط الشيعي. وكتب مقالة موَجَّهة إلى نائب حاكم المنطقة الشرقية التي تشمل كلاً من المطالب السياسية وحثّ الحكومة على وقف الهجمات على الشيعة. وقد رد الباحث الوهابي الشيخ سفر الحوالي بالتأكيد على الوضع الأقلّي للشيعة وما إعتبره حق الغالبية السنّية بفضح عقيدة الشيعة لضمان حماية أهل السنّة في المملكة. كما إتهم رجال دين سعوديون عديدون الشيعة — ليس قادة فقط مثل النمر — بالتآمر ضد كلٍّ من الدولة السعودية وأهل السنة السعوديين.
“الربيع العربي” والمعارضة الشيعية
لعبت الإنتفاضات العربية التي بدأت في تونس في أواخر العام 2010 دوراً حاسماً في تراجع الوضع في المنطقة الشرقية الشيعية في المملكة العربية السعودية. كانت الأسرة الحاكمة تُدرك التهديد المُحتمَل الذي تشكله الثورات في “العالم العربي” لذا شنّت حملة على المعارضة بسرعة وحزم. فقد أُلقي القبض على السعوديين الذين شاركوا في الإحتجاجات على ا”لإنترنت” وفي الشوارع. وإمتدت أهداف الإعتقالات لتصل إلى النشطاء الليبراليين والعلمانيين وإلى رجال الدين السنة غير السائدين والممتعضين من السياسة المتبعة، وعاد النشاط السياسي الشيعي ليشكل قلقاً للمؤسستين السياسية والدينية السنية. وإعتُبرت دعوات الإصلاح على أنها تهديد لبقاء الأنظمة الملكية العربية في المنطقة. وكانت الحكومة السعودية مصرّة وعاقدة العزم على منع التهديد بتغيير النظام ليس فقط الآتي من التغلغل عبر حدود المملكة ولكن أيضاً من الوصول إلى حلفائها في المنطقة، مثل البحرين .
الدولة – الجزيرة التي يديرها نظام ملكي سني ولكن مع غالبية سكانها من الشيعة، كانت البحرين وجهة مُبكرة لإنتشار إحتجاجات “الربيع العربي”. على الرغم من أن الإحتجاجات في المنامة كانت في البداية غير طائفية، فإنها سرعان ما وُصفت بأنها حركة طائفية لعدد من الأسباب. من جهتها قررت الحكومة السعودية، القلقة إزاء الأحداث في البحرين، التدخل عسكرياً في آذار (مارس) 2011، ودعم عائلة آل خليفة الحاكمة التي طلبت مساعدتها.
غاضبون من التدخل، فإن الشيعة في المنطقة الشرقية، الذين يشتركون بروابط دينية وتاريخية وإجتماعية قوية مع الشيعة البحرينيين، خرجوا إلى الشوارع للإحتجاج تضامناً. بعض زعماء الشيعة، مثل الشيخ حسن الصفّار، إنتقد تدخل العائلة الحاكمة السعودية في البحرين لكنه أكّد في الوقت عينه على ولائه للنظام السعودي. أما النمر، من ناحية أخرى، فقد كان أقل ميلاً للمصالحة في مقاربته. وقد قابلت الرياض الإحتجاجات بإستخدام القوة، الأمر الذي أجّج المشاعر المناهضة للحكومة بين العديد من النشطاء الشيعة. وقد أُطلق النار على النمر حيث أصيب وإعتقل؛ وسرعان ما صارت صورة رجل الدين المُدمَّى رمزاً للمحتجين الشيعة. وقد حُكِم عليه في وقت لاحق بالإعدام بتهم سياسية وينتظر حالياً عملية التنفيذ.
في حين عملت على قمع الإحتجاجات، فقد بدأت الحكومة أيضاً بعض الجهود لتهدئة الشيعة في المنطقة الشرقية. إستبدل الملك الراحل عبد الله الحاكم الذي يكرهه الكثيرون في المحافظة، الأمير محمد بن فهد، بالأمير سعود بن نايف، على الرغم من أن العديد من السكان الشيعة المحليين شكّوا في أن إستبدال أفراد من شأنه أن يؤدي إلى أي تغيير حقيقي. ويقول نشطاء من الشيعة مشكّكون في أن السياسات التي تتعلق بالشيعة في المنطقة الشرقية يتم التحكم بها من الرياض ووزارة الداخلية وليس من أي مسؤول محلي.
بروز “داعش” والعنف الطائفي
كانت الحرب الأهلية السورية التي أعقبت “الربيع العربي” نقطة مهمة أخرى مثيرة للطائفية في المملكة العربية السعودية. لقد قررت الرياض الوقوف ضد نظام بشار الأسد. وفيما أصبح واضحاً بأن لواء “القدس” الإيراني و”حزب الله” الشيعي اللبناني يقدمان الدعم بشكل واسع لقوات النظام السوري، فإن الخطاب المعادي للشيعة في السعودية أخذ يتصاعد بشكل كبير.
كان آخر مثال على الصراع الطائفي في المملكة الهجوم الإنتحاري على مسجد شيعي في القطيف في أيار (مايو) 2015، الذي أسفر عن مقتل 20 شخصاً على الأقل وإصابة أكثر من 80. وقد إدّعى تنظيم “داعش” المسؤولية. وبعد أسبوع، وقع تفجير إنتحاري ثانٍ في مسجد شيعي في الدمام، مما أسفر عن أربعة قتلى. وقد أدانت الحكومة بسرعة الهجوم وتعهّدت بمواصلة جهودها لإعتقال مرتكبيه ومعاقبتهم. لا شك بأن الحكومة هي جادة وحقيقية في رغبتها في منع العنف الطائفي داخل المملكة، ولكن هناك شكاً في رغبتها أو قدرتها على إحتواء التصريحات الطائفية التي يطلقها رجال الدين السنة أو إتخاذ خطوات كبيرة نحو وضع حدّ للتمييز.
الأهم من ذلك أن الحكومة السعودية أصبحت أكثر وعياً بالنسبة إلى التهديد الداخلي الذي يشكّله تنظيم “داعش” والمتطرفون السنّة الآخرون. إن بروز “تنظيم “الدولة الإسلامية” وإنشاء فرع له على الأراضي السعودية قد أقلق كلاً من الأسرة الحاكمة والمؤسسة الدينية. وقد أدان رجال دين سعوديون كثيرون “داعش” الذين بدوا بأن ليس لديهم أي تعاطف مع الجماعة. وفي حين أن رجال الدين السعوديين لا لبس في معارضتهم لنظام الأسد في سوريا، فإن كثيرين منهم أكثر ميلاً لدعم “جبهة النصرة” (التابع لتنظيم “القاعدة) بين المجموعات والفصائل المختلفة على الجانب المناهض للأسد.
مستقبل الشيعة في السعودية
من غير المرجّح أن تؤدي الظروف الراهنة إلى تغيير حقيقي بالنسبة إلى الشيعة السعوديين، وذلك لسببين: أولاً، من الصعب التراجع عن الضرر الذي ألحقه الخطاب المناهض للشيعة لعقود من قبل المؤسسة الدينية السعودية. إن إزدراء رجال الدين الحالي ل”داعش” ليس أكثر من موقف مؤقت حيث تتلاقى مصالحهم مع مصالح الشيعة السعوديين. إن رجال الدين عموماً يتعصّبون ضد المذهب الشيعي، ويبدو من غير المرجح أن يخففوا من حدة خطابهم، وبخاصة في أثناء الصراعات الجارية في سوريا والعراق واليمن. وحتى عندما ينتقد رجال الدين السعوديون الجهات الشيعية الخارجية، مثل إيران، فإنهم يفعلون ذلك بعبارات واسعة التي في الوقت عينه تلطّخ سمعة الشيعة السعوديين بالتبعية.
ثانياً، على الرغم من أن الملك سلمان سيواصل محاولته للتوسط وإستيعاب بعض الإحتياجات الشيعية، فبعض الخبراء يشك في أنه سيكون قادراً أو مستعداً لبذل المزيد من الجهد الذي قد بذله سلفه الملك عبد الله فعلياً. في حين أنه من السابق لأوانه الإعلان عن توقعات مؤكدة بالنسبة إلى حكم الملك سلمان، فإن الخبراء ينظرون إليه عموماً بأنه متشدّد، ومن المرجح أن يضع مصالح الأمن قبل الإصلاح. كما أنه من غير المتوقع أن تكون الأولوية لمعالجة المطالب الشيعية إذا نُظِر إليها على أنها تهديد للدولة السعودية في هذا الوقت الحرج. إضافة إلى أن الملك لا يزال يحتاج أيضاً إلى تعاون المؤسسة الدينية، التي ستُعارض بشدة أي إقامة شرعية للتشيّع كطائفة معترف بها داخل المملكة.
فيما يحتدم الصراع الطائفي في أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن الحكومة السعودية يجب أن تكون حذرة بأن يستفيد “داعش” أو غيره من الجماعات الشيعية المتطرفة الخارجية من خطوط الصدع الطائفي في المملكة. إن أفضل تحوّط ضد ذلك يكمن في أن يتم بناء عناصر من الإقامة الداخلية للشيعة والتضامن بين السكان على مختلف مذاهبهم لمواجهة العواصف الخارجية.
تم ارسال رسالتك بنجاح