قال الحموي في معجم البلدان(م626) عن عُمَان: "وأكثر أهلها في أيامنا خوارج إباضية ليس بها من غير هذا المذهب إلا طارئ غريب وهم لا يخفون ذلك، وأهل البحرين بالقرب منهم بضدهم كلهم روافض سبائيون، لا يكتمونه ولا يتحاشون، وليس عندهم من يخالف هذا المذهب إلا أن يكون غريباً"(48)، فتمعن في آخر كلامه وأنه لا يوجد غير الشيعة إلا أن يكون غريباً، والحموي متوفى سنة ستمائة وستة وعشرون للهجرة، يعني قبل ما يقارب ثمانية قرون. وفي أعيان الشيعة عن القطيف: "وفي رحلة ابن بطوطة التي كانت سنة 725: القطيف مدينة كبيرة حسنة ذات نخل كثير يسكنها طوائف العرب وهم رافضية غلاة يظهرون الرفض جهراً لا يتقون أحداً".(49) النسب إلى البحرين: ومن الأمور الواضحة والدلائل المهمة على تشيع أهل البحرين، هو اقتران المنتسب إلى البحرين بالتشيع، وهذا الكلام ليس عن الزمن الماضي، بل إلى يومنا هذا، فإنَّهم إذا أرادوا أن يشيروا إلى كون شخص ما شيعياً فإنهم يقولون عنه بحراني، وأما الآخرون فلا يقال لهم ذلك، بل يستنكرونه، وإنما يقال لغير الشيعي بحريني أو من أهل البحرين، والنسبة الصحيحة إلى البحرين هو (بحراني) وليس (بحريني) كما حصل وغيّرته السلطة من مدة ليست طويلة، فأصبحت النسبة إلى البحرين رسمياً هو بحريني. ولكن إذا رجعنا إلى القواميس وكتب اللغة فإنّك ستجد الجميع يقرّ بأنّ النسبة للبحرين هو بحراني، وإليك بعض كلمات أهل اللغة، يقول الفراهيدي(م170): "ورجل بحراني: منسوب إلى البحرين، وهو موضع بين البصرة وعمان، يقال: انتهينا إلى البحرين".(50) ويقول الجوهري(م393): "والبحرين: بلد، والنسبة إليه بحراني. قال اليزيدي: كرهوا أنْ يقولوا بحري، فيشبه النسبة إلى البحر"(51)، وقال أبو الحسين أحمد بن فارس زكريا(م395): "وقال الخليل رجل بحراني منسوب إلى البحرين، وقالوا بحراني فرقاً بينه وبين المنسوب إلى البحر".(52) وفي شرح الشافية للاسترآبادي(م686): "وقالوا: بحراني، في النسبة إلى البحرين"(53)، وقال ابن منظور(م711) في لسان العرب: "ابن سيده: وأبحر الماء صار ملحاً، قال: والنسب إلى البحر بحراني على غير قياس. قال سيبويه: قال الخليل: كأنهم بنوا الاسم على فعلان. قال عبدا محمد بن المكرم: شرطي في هذا الكتاب أن أذكر ما قاله مصنفو الكتب الخمسة الذين عينتهم في خطبته، لكن هذه نكتة لم يسعني إهمالها. قال السهيلي (رحمه الله): زعم ابن سيده في كتاب المحكم أن العرب تنسب إلى البحر بحراني، على غير قياس، وإنه من شواذ النسب، ونسب هذا القول إلى سيبويه والخليل، رحمهما الله تعالى، وما قاله سيبويه قط، وإنما قال في شواذ النسب: تقول في بهراء بهراني وفي صنعاء صنعاني، كما تقول بحراني في النسب إلى البحرين التي هي مدينة، قال: وعلى هذا تلقاه جميع النحاة وتأولوه من كلام سيبويه، قال: وإنما اشتبه على ابن سيده لقول الخليل في هذه المسألة أعني مسألة النسب إلى البحرين، كأنهم بنوا البحر على بحران، وإنما أراد لفظ البحرين، ألا تراه يقول في كتاب العين: تقول بحراني في النسب إلى البحرين، ولم يذكر النسب إلى البحر أصلا، للعلم به وأنه على قياس جار. قال: وفي الغريب المصنف عن الزيدي أنه قال: إنما قالوا بحراني في النسب إلى البحرين، ولم يقولوا بحري ليفرقوا بينه وبين النسب إلى البحر"(54) وقال أيضا: "وروي عن أبي محمد اليزيدي قال: سألني المهدي وسأل الكسائي عن النسبة إلى البحرين وإلى حصنين: لم قالوا حصني وبحراني؟ فقال الكسائي: كرهوا أن يقولوا حصنائي لاجتماع النونين، قال وقلت أنا: كرهوا أن يقولوا بحري فتشبه النسبة إلى البحر، قال الأزهري: وإنما ثنوا البحر لأن في ناحية قراها بحيرة على باب الأحساء وقرى هجر، بينها وبين البحر الأخضر عشرة فراسخ، وقدرت البحيرة ثلاثة أميال في مثلها ولا يغيض ماؤها، وماؤها راكد زعاق".(55) وإنمّا أكثرت من ذكر هذه المصادر وكلمات اللغويين مع تفاوت أزمانهم حتى لا يبقى شك عند أحد بأنَّ النسبة إلى البحرين هي بحراني، وأن النسبة الحالية وهي (بحريني) على خلاف الثابت لغة، ولذلك ندعو المحبين والموالين للاحتفاظ بهذه النسبة والإصرار عليها، والافتخار بها. ولا أظن أنَّ هناك دولة أخرى اقترنت النسبة إليها بمذهب أصحابها كما هو حاصل في البحرين، فالبحراني يساوي الشيعي في نظر الجميع، وكفى بذلك فخراً، ثبتنا الله على ولاية أهل بيت نبيه (صلَّى الله عليه وآله). ونكتفي بهذا القدر من الحديث عن تشيع أهل البحرين، وربما نوفق في مناسبة أخرى لإكمال الحديث عن ذلك، وبتفصيل أكثر، والحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين. * الهوامش: (1) المستدرك للنيسابوري، ج3، ص3. (2) طبقات ابن سعد، ج1، ص314-315. (3) الإصابة لابن حجر، ج3، ص331. (4) قرب الإسناد، ص323. (5) سنن أبي داوود، ج2، ص425. (6) فتح الباري لابن حجر، ج8، ص67. (7) هكذا في المصدر. (8) مقتضب الأثر لأحمد بن عياش الجوهري(م401)، ص31-39، ونقلها عنه في كنز الفوائد لأبي الفتح الكراكجي(م449)ل، ص265-258، مع اختلاف في بعض الألفاظ، وكذلك في البحار، ج15، ص241. (9) البداية والنهاية لابن كثير، ج2، ص295، وراجع المعجم الكبير للطبراني، ج12، ص69، وذكر أخبار إصبهان للحافظ الأصفهاني، ج2، ص51، والسيرة الحلبية، ج1، ص321. (10) الطبقات الكبرى، ج4، ص361. (11) تاريخ المدينة، لابن شبة النميري، ج3، ص846، (12) تاريخ الطبري، ج4، ص142. (13) السنن الكبرى للبيهقي، ج8، ص178. (14) الأحكام ليحي بن الحسين، ج4، ص265. (15) تاريخ المدينة، لابن شبة النميري، ج3، ص846-847. (16) تهذيب الكمال للمزي، ج21، ص374. (17) تهذيب التهذيب لابن حجر، ج7، ص401. (18) الجمل للشيخ المفيد، ص158. (19) الفتنة وقعة الجمل، لسيف بن عمر الضبي(م200)، ص167. (20) الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي، ج1، ص338. (21) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحيد، ج9، ص312. (22) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج9، ص322، والنص والاجتهاد، ص445. (23) وفي الاستيعاب لابن عبد البر، ج1، ص366، في ترجمة حكيم أنه: "أدرك النبي صلّى الله عليه وسلم". (24) الكافئة للشيخ المفيد، ص17-18. (25) تاريخ الطبري، ج3، ص496. (26) أنساب الأشراف للبلاذري، ص234. (27) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج11، ص17. (28) أمالي الشيخ المفيد، ص129. (29) تاريخ الطبري، ج4، ص26. (30) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج5، ص241-242، والبحار، ج32، ص483. (31) الفتوح، لأحمد بن أعثم الكوفي، ج3، ص136. (32) البحار، ج32، ص485. (33) وقعة صفين لابن مزاحم المنقري، ص288، وتاريخ الطبري، ج4، ص23، والمناقب للموفق الخوارزمي، ص229، وشرح نهج البلاغة، ج5، ص226. (34) البحار، ج32، ص481. (35) تاريخ الطبري، ج4، ص29. (36) وقعة صفين، لابن مزاحم المنقري، ص402. (37) شرح نهج البلاغة، ج5، ص225. (38) مناقب الإمام علي (عليه السلام) لمحمد بن سليمان الكوفي، ج2، ص85. (39) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج5، ص226-228. (40) الكافئة للشيخ المفيد، ص31. (41) تاريخ اليعقوبي، ج2، ص183. (42) تاريخ الطبري، ج4، ص263. (43) تاريخ مدينة دمشق، ج16، ص208. (44) فهرست ابن النديم، ص102. (45) الطبقات لابن سعد، ج5، ص562. (46) الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي، ج2، ص786-787. (47) المعارف لابن قتيبة، ص339. (48) معجم البلدان للحموي(م626)، ج4، ص150. (49) أعيان الشيعة، ج1، ص206. (50) العين: ج3، ص220. (51) الصحاح للجوهري: ج2، ص585. (52) معجم مقاييس اللغة: ج1، ص203. (53) شرح شافية ابن الحاجب: ج2، ص83. (54) لسان العرب: ج4، ص42. (55) لسان العرب: ج4، ص46. 0 التعليق
تم ارسال رسالتك بنجاح